من «قندهار» إلى «سوهو»

  • 4/14/2019
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

قد يكون الانتقال من ضفةٍ إلى أخرى أمرًا ضروريًا، لتستمر الحياة، ويحدث التطور، كما قد يكون الجمود والبقاء على الحال مهلكًا وغير مقبول، إلاَ أنّ المتاعب الملازمة لعملية الانتقال والتغيير، والآثار التي قد تنتج عنها، قد أودعت في عقل الناس الجمعي كره التغيير، وحب الثبات والبقاء على ما كان عليه الأسلاف. ولأنّنا في السعودية نعيش هذا الانتقال بكامل عنفوانه، ومتاعبه، وآثاره، وجب علينا أن ننتبه إلى كل إشارةٍ في هذا الطريق الممتع الصعب، ومعرفة مآلاتها، وتفحص مصداقيتها، والاستفادة القصوى منها، فلا تغيير بدون خسائر، ولا رحلة بلا متاعب، ولكنّ المجتمع الحصيف يتزود جيدًا لرحلته، ويعمل جاهدًا لتلافي عثرات من سبقه في درب التغيير والانتقال، ولأنّ هذا التغيير الذي قادته القرارات السياسية التاريخية، قد لاقى قبولًا شعبيًا جارفًا، ووقع كالمطر على أرضٍ عطشى، فقد أضحى لزامًا على أرباب الفكر وعلماء الدين والاجتماع، أن يبادروا إلى تهيئة الناس للمرحلة القادمة، عن طريق ضخ الدماء في خطاباتهم، وجعلها مناسبةً للمرحلة الدقيقة القادمة، كما يجب على الجميع العمل لتجنب العثرات والانتكاسات في هذه الرحلة الشاقة الضرورية، كلٌ على قدر جهده. كان أحد الأصدقاء مولعًا بحركة طالبان، وكان يراها تجسيدًا للواقع الذي يجب أن يكون عليه حال المسلمين، بل كان يذهب أبعد من ذلك، حينما كان يعتبر أنّه لا يوجد فارقٌ كبيرٌ بين حال الناس تحت حكم «طالبان» وبين حال ناس في العصور الراشدة، سافر صديقنا هذا إلى أفغانستان بعد أحداث سبتمبر، ومكث هناك بضع سنين، ثم عاد إلى السعودية، والتقينا في أحد المجالس، كان متعبًا، منهكًا، وروحه مثخنةٌ بجراح الخيبة ويقين العبثية والسخف، أخبرني أنّ من كان يظنهم القدوة والمثال ليسوا سوى كذابين جوعى للسلطة والشهوات، وأنّ المجتمع الجهادي هناك والذي كان يظنَ أنّه قريبٌ من مجتمع الصحابة، ليس سوى مجتمعٍ بشري مترع بالنقائص والآثام، وأخبرني أنّه تعرض للخيانة والغدر والتصنيف في سنوات الجهاد تلك، أكثر مما تعرض له في مجتمعنا الذي كان -في وجهة نظره- مجتمعًا فاسقًا لا يمت للإسلام بصلة. لم أستطع مواساته أو التخفيف عنه، فمن الأمور ما يلزم صاحبها أن يتجرع مرارتها وخيبتها حتى تنفد الكأس. صديقنا الذي أصبح يعيش متنقلًا بين «سوهو» لندن و«شانزليزيه» باريس، تجاوز كل مراحل الوسط في رحلته، وانتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولا يزال تائهًا، لم يهدر عمره فحسب، بل حرم نفسه من متعة التدرج ورحلة الترقي المتئدة، ولكي لا نشبه هذا الصديق وجب علينا التنبه إلى أمرٍ مهم، ليس المهم أن تصل وجهتك فقط، بل من المهم أن تصل سالمًا سعيدًا، وأن لا تقضي بقية حياتك وأنت مشغولٌ بمعالجة جراح الرحلة ومحاولات نسيان ندوبها.

مشاركة :