ظهر علم الاقتصاد السلوكي Behavioral economics ليعالج ذهنية الإنسان الذي يفكر ويتخذ قراراته بما تعود عليه باعتبارها فرضيات سابقة، أو سلوكيات معتادة، أو خيارات مشهورة، أو تفضيلات معينة، مما يجعل القرار متحيزًا، وبالتالي لا يخضعها لعملية التحليل الحقيقي الواقعي وفق منظور الاقتصاد السلوكي. قدم ريتشارد ثالر «Richard Thaler» رؤيته عن الاقتصاد السلوكي من خلال مزجه لعلم الاقتصاد بعلم النفس، وهي الدراسة التي تعنى بتحليل القرارات التي يتخذها كلٌ من الأفراد والمؤسسات عن طريق دراسة العوامل الاجتماعية والفكرية، ويمكن قياس ذلك على المنظور التربوي، فالتربية هي التي تُكون الاتجاه، والذي بدوره يتحول إلى سلوك، فالاتجاهات الخاطئة حتمًا ستعطي سلوكيات خاطئة. ويمكن تطبيق الاقتصاد السلوكي على قرارات التربية الخاصة بغرض تحسين خدماتها خصوصًا في تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة وسوق العمل من الكوادر البشرية، ويكمن ذلك في التفكير بطريقة مختلفة أو غير مألوفة. ففي مجال تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة، نجد أن الشائع والمنطق هو فصل الأشخاص ذوي الإعاقة في فئات مستقلة وفق خصائص واحتياجات كل فئة في برامج تعليمية مستقلة بغرض التركيز عليهم، وقد تمتد هذه العقلانية إلى وضعهم في معاهد ومراكز منفصلة. بينما وفق التوجه لنظرية الاقتصاد السلوكي، نجد أن خيار «التعليم الشامل» ودمجهم بالمدارس العامة هو خيار قد لا يميل له البعض في اتخاذ القرارات، باعتباره نمطًا غير شائع، أو نمطًا لم يعتد عليه البعض، مما ينتج عنه بعض التخوفات، مبتعدين عن التحليل الواقعي والحقيقي الناتج من فوائد ومنفعة هذا القرار من جانب اقتصادي وتربوي, فالتفكير المختلف هنا يتمحور حول أن الشائع والمألوف يجب أن تتعلم هذه الفئة القليلة «وهم الأشخاص ذوو الإعاقة» ضمن الأغلبية، وهي هنا «مدارس التعليم العام» فالأغلبية يجب كذلك أن تتعامل مع الأقلية، كما أن المجتمع العادي يجب أن يتعايش مع الإعاقات وفقًا للمفاهيم التربوية الحديثة التي تؤكد مبدأ عدم التمييز باعتبارها من أهم حقوقهم. وقياسًا على ذلك، الكوادر البشرية المتخصصة في تخصص لمسار الإعاقة الواحدة في مجال التربية الخاصة، بأن المنطق هنا أن التخصص في مجال واحد ومحدد لخدمة فئة واحدة من فئات الإعاقة يكون مركزًا وملمًا بجميع احتياجاتهم، بينما نجد وفق مفهوم الاقتصاد السلوكي، فإن خيار المعلم الشامل «معلم يخدم جميع الأشخاص ذوي الإعاقة» هو الخيار أو النمط الأكثر فاعلية ومنفعة في مدارس التعليم الشامل.
مشاركة :