نجد أن أنماط العلاقات العائلية والأسرية السوية، وما ينتج عنها من مواقف وسلوكيات ومشاعر، سواء كانت إيجابية أم سلبية، تتشابه في الإطار العام الإنساني، بغض النظر عن اختلاف العناصر المادية وغير المادية المحددة لتلك العلاقات، مثل المكانة الاجتماعية لأفراد تلك الأسرة أو العائلة، أو مكان إقامتها، أو ثرائها أو فقرها، أو درجة تعليمها. فالاختلاف يأتي في تفاصيل تلك العلاقات وتعقيداتها وعلاقة بعضها ببعض، بينما ما يؤطر تلك التفاصيل هي المشاعر والعواطف وردود الفعل الإنسانية الواحدة، التي نمتلكها نحن بنو البشر وتجعلنا آدميين. فغيرة زوجات الإخوة فيما بينهم، هي واحدة تقريبا، سواء في قرية أم مدينة على ساحل الخليج العربي أم ساحل العاج، وحب استحواذ الأم واهتمامها بابنها حتى بعد الزواج لا يحتاج إلى إثبات علمي، وإنما يتفاوت من قبل الأمهات، ومن ثقافة إلى أخرى، وقصص تدخل أم الزوجة، سواء كانت منصفة أم مجحفة، في شؤون ابنتها الزوجية، وعلاقاتها غير السوية مع أم وأخوات زوج ابنتها، كتبت فيها المسلسلات الطويلة المملة ودونت فيه الكثير من المحكيات والمرويات الشعبية، إلى جانب ما تناولته الدراسات الاجتماعية بالطبع بشكل أكاديمي تحليلي. عموما، أثناء متابعة تفاصيل مقابلة المبدعة في إدارة الحوارات الإعلامية أوبرا وينفري، مع ميغان ماركل، وزوجها هاري، وما رشح منها من نزاعات واتهامات لفظية عائلية دار بعضها حول موقف الأسرة المالكة البريطانية، من اللون المحتمل الأسمر لبشرة آرتشي ابن ميغان، ومحاولتها الانتحار لعدم شعورها بالسعادة بالإقامة في القصر الملكي، إلى جانب التفاصيل الأخرى الخاصة بالعلاقة المضطرة ما بين بعض أفراد الأسرة الحاكمة البريطانية، استرجعت مشاهد من المسلسل الكوميدي الكويتي «خالتي قماشة» الذي كان من بطولة الممثلة القديرة حياة الفهد وإنتاج تلفزيون الكويت، وعرض عام 1983م، حيث دارت أحداثه في منزل الأم العجوز «قماشة» حياة الفهد، التي تسعى للحفاظ والسيطرة على سلوك أبنائها وعلى زوجاتهم، حيث تضع كاميرات تجسس في غرف أبنائها لتبقى على اطلاع بما يخططون. لله درها الخالة قماشة، تفوقت على الملكة اليزابيث بعقود في قراءة مستقبل أفراد العائلة، وكيفية التنبؤ بتصرفاتهم، لذا لربما من هنا ينجلي الاستغراب الفكاهي المتمثل في حضور وتكرار صورها التعبيرية المتحركة «ميميز» على الدوام الآن في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة متى ما جد شأن اجتماعي مستغرب أو إصدار قرار مفاجئ أو هزيمة أحد الأندية الرياضية. عودة على بدء، تكمن الاختلافات والتفاوت في العلاقات الإنسانية في التفاصيل الصغيرة، لذا أصبح العالم، بعد جائحة كورونا يصنف في مجالات العمل والاقتصاد والتعليم والطاقة والتقنية والسفر والتواصل وغيرها بفترتين ما قبل جائحة كورونا، وما بعد فترة جائحة كورونا. تبعات هذا التوصيف -بلا شك- انسحبت على علاقتنا العائلية والأسرية والاجتماعية بصورة أشمل، فقد يلحظ الفرد منا أن علاقاته بأفراد أسرته والمجتمع عموما بدأت مختلفة في بعض المواضع ولربما غير مستقرة ومشوشة في مواقف ومناسبات أخرى، منذ بدء وأثناء فترات الإغلاق الكلي الاحترازي، وحتى بعد رفع القيود جزئيا، لأنه مر بتجارب حياتية فردية وعائلية غير مهيأ لها نفسيا من قبل، مثل كيفية تمضية فترات المكوث الطويلة في المنزل مع أفراد العائلة باتباع نفس الروتين تقريبا وعدم الاختلاط كالمعتاد مع الآخرين، أو الذهاب للمسجد والعمل عن بعد، وإنجاز كل المعاملات الحكومية والأنشطة التجارية التسويقية تقريبا إلكترونيا، وعدم القدرة على ممارسة الرياضة خارج المنزل، إلى جانب بالطبع تغيير عادتنا الغذائية وأوقاتها وانعكاساتها الصحية على أجسادنا بصورة أعمق من تناول «كيكة البرتقال» مع لعب «الكيرم» عطفا على ذلك، هناك تساؤلات كثيرة بدأت تطفو في المخيلة وأثناء الأحاديث المختلفة، وخاصة بعد نجاح تطوير وأخذ تطعيم لقاح كورونا، وظهور بوادر العودة تدريجيا إلى نسق الحياة الطبيعية. تلك التساؤلات منها ما هو اجتماعي بسيط مثل: هل ستبقى طريقة السلام والمصافحة والعناق الاحترازية الحالية مستمرة إلى ما بعد كورونا، أم ستعود إلى سابق عهدها؟ هل أسلوب الزيارات والمناسبات العائلية والأسرية ستبقى مقننة كورونية أم سيشعر الأفراد بالرغبة بالتواصل مع الآخرين والاستمتاع بصحبتهم، والحديث معهم حين يلتقيهم وجها لوجه، لا من خلال وسائل الاتصال الحديثة؟ هل مناسبات الزواج ستعود بنفس الحجم وعدد المدعوين، أم سنكتفي بممارسة ما درج عليه في عهد كورونا؟ وهذا يشمل أيضا واجب تقديم العزاء كمثال آخر. وفي الجانب التعليمي، هل سنكتفي بالتعليم عن بعد في جانبه الأكبر وسيتقلص دور المدرسة؟ أرى -من وجهة نظر شخصية بحتة- أن طلبة المرحلة الابتدائية بحاجة إلى تعليم مختلط ما بين التعليم عن بعد، والتعليم بطرقه التقليدية، حضورا لمقر المدارس، لما لذلك من فوائد تربط الطالب عاطفيا ومعرفيا بتفاصيل مجتمعه الكبير من منظور الواقع الملموس لا الافتراضي، وذلك من خلال الذهاب إلى المدرسة والعودة للمنزل ومخالطة أقرانه، وتكوين علاقات معهم ترسيخ مفهوم العمل والتعاون الجماعي والمساهمة في معرفة أحوال بعض الأطفال وحمايتهم، لربما من حالات الإيذاء ولو كانت على نطاق محدود جدا.
مشاركة :