الرحيل بعد خراب «مالطة»!!

  • 9/21/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

(بعد خراب مالطة) مَثَل شهير يُضرب لمن أحدث ردة فعلٍ بعد فوات الأوان، وهو ما فعله أهالي تلك الجزيرة الأوربية الصغيرة، التي تسمى (مالطة)، الذين هربوا بحياتهم طالبين النجاة والسلامة إلى جزيرة (صقلية) المجاورة لهم؛ خوفا من بطش الاحتلال (البونابارتي) الفرنسي الذي لم يترك فيها شيئا يذكر إلا وقضى عليه؛ فحدث بعد ذلك أن عادوا إليها بالتزامن مع الفتح الإنجليزي بقيادة السير (ألكسندر)، إلا أنها عودة حزينة كئيبة لأن مدينتهم (مالطة) كانت بعد دمارا وخرابا ونهبا على يد المحتل الفرنسي آنذاك. أربط في هذا المقال بين فكرة هذا المثل الدال وبين المناصب الإدارية التي تعيشها بعض مؤسساتنا؛ حين يصبح رحيل المسؤول من منصبه متأخرا، أو بعد فوات الأوان، وبعد أن تَهَاوى صرحُ المؤسسة او الدائرة التي ينتمي إليها؛ فتركها خرابا صفصفا، مجردة من أي تميز أو نجاح أو تطور، وبعدها جاء ليصنع من نفسه بطلا تاركا الكرسي لغيره في توقيت خاطىء. نعم: تتعدد أنواع وأشكال وصور الرحيل؛ بيد أن أبشعه على الإطلاق رحيل الإداري الفاشل في وقت غير مناسب، بل بعد أن قضى على كل بارقة أمل في تلك المؤسسة أو ذيك؛ وهذا هو لبُّ القضية ومرتكزها؛ كيف رحل؟ ومتى رحل؟ ولأي أسباب رحل هذا المسؤول؟؛ فإن رحل دون أن يترك من ورائه أثرا يستحق الذكر فقد كان رحيله الرحيل الأبشع حتى وإن قدم هو استقالته، ولم يأته الأمر الرسمي بإعفائه منه؛ كون النتيجة واحدة في كلتا الحالتين، ولن ينفع ندم ولا حسرة ولا وَلْوَلَه؛ وسيصبح الأنموذج الأدق للمقولة الشهيرة جاء الفرج والأمل ولكن: (بعد خرابك يا مالطة)، لأنه كان عبئا ثقيلا على كرسيه؛ ورحيله عنه أراحه من عليه، ولكن ويا للأسف الشديد جدا كان رحيلا متأخرا للغاية. أتحدث هنا عن أزمة التمسك بكرسي المنصب والبقاء عليه حد الالتصاق، إما لتحقيق مكاسب ومصالح شخصية؛ أو قناعة من الشخص بأنه الأحق رغم كل الأخطاء التي يرتكبها وكل الصور المتردية التي يلاحظها الكل حول أدائه وأداء مؤسسته، لنجد واقعا مترديا وعملا بطيئا واحباطا شديدا؛ وفي كل الحالات يبقى وجوده على الكرسي ضارا بكل المقاييس. نعني في هذا السياق حال مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية والرياضية والتعليمية وغيرها من المؤسسات والإدارات التي رَبَضَ على رئاستها أناس ربضة الكسيح؛ الذي وجد ذاته وراحته على الكرسي ولكنه لم يكن أهلا له ولا أهلا لتطلعات من حوله؛ وبعد أن يدمر (مالطه) يتنبه ويقرر الرحيل، صانعا من رحيله بطولة مستثناة، وحدثا مثاليا لأنه تخلى عن المنصب لغيره بكل شفافية وسلاسة. نقول مثلا: كم مؤسسة ثقافية في بلادنا قُضي عليها وعلى تطلعات من فيها؛ بسبب هؤلاء الرابضين على كراسيهم؛ ومثلها في كل المجالات؛ فكان حجم الدمار كبيرا؛ وحجم الخسائر فادحة؛ ولنكن جادين في طرح أسئلتنا على مثل هذه الحالات: من يتكفل بدفع قيمة الفاتورة الباهضة الثمن بعد رحيله المتأخر؟.

مشاركة :