يسود قلقٌ المصارف العراقية الخاصة، نتيجة تراجع حجم السيولة المالية في بعضها، ما أدى إلى عجزها عن الإيفاء بحقوق المودعين. فيما حمّل مواطنون ومعنيون المسؤولية في ذلك للجهات المسؤولة، وفي مقدمها البنك المركزي العراقي، بعدم تشديد الرقابة على المصارف، خصوصاً تلك المتلكئة حالياً في تسديد ودائع المواطنين. وقال الخبير المصرفي عبدالعزيز حسون، لـ «الحياة»، أن «الظروف الصعبة التي يمر فيها القطاع المصرفي الخاص حالياً مقلقة، تحديداً في ظلّ التعثر الذي يصاحب أداء مصارف خاصة، خصوصاً في ما يتعلق بقدرتها على الإيفاء بحقوق المودعين». وأشار إلى أن «الثقة بين المواطن والمصارف الخاصة باتت صعبة حالياً، وربما تتلاشى إلى حين معالجة هذه الأوضاع في القطاع». ولفت إلى أن «تلكؤ بعض المصارف في تسديد مستحقات المواطنين المودعين، دفع المواطنين الذين يملكون حسابات في مصارف أخرى مستقرة مالياً وقادرة على تلبية طلبات مودعيها، إلى سحب ودائعهم تحسباً لأي طارئ». لذا أكد أن «الوضع يتطلب تدابير من البنك المركزي العراقي لعودة ثقة المواطنين في المصارف، لأنه الضامن لها والمسؤول عن نشاطها وعملها». وأعلن حسون أن المصارف الخاصة العراقية «شهدت تطوراً نوعياً في السنوات الأخيرة، في ممارستها كل أشكال النشاط المصرفي وباعتماد آليات وأنظمة حديثة». وأشار إلى أن «مجموع رؤوس أموالها زاد عن 6 بلايين دولار، لكن الظروف الاستثنائية وتردّي النشاط الاقتصادي وتراجع موارد الدولة المالية بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، عوامل ألقت بظلالها على كل القطاعات، في مقدّمها قطاع المصارف». واعتبر أن «الحفاظ على ودائع المواطنين هو من واجبات البنك المركزي العراقي، الذي يعمل حالياً على إنجاز تشريع قانون حماية الودائع المصرفية، الذي يُعدّ ضرورة تتطلبّها حالة القلق والخوف التي تمرّ بها العلاقة بين المصارف والمواطنين حالياً». وكانت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، وفي إطار مواكبتها هذا الموضوع، أوضحت أن بعض المواطنين «يترددون اليوم بإيداع أموالهم في المصارف الخاصة والحكومية، لعدم ثقتهم فيها نتيجة أحداث سابقة أو أخرى تحصل حالياً في عدد من المصارف». لكن ذلك «لا يعني أن الكابينة المصرفية في العراق غير جيدة أو غير جديرة بالثقة»، مشيرة إلى أن «عدداً كبيراً من المصارف العراقية الخاصة شارك بفعالية في بناء اقتصاد العراق ودعم خطط التنمية». وكان البنك المركزي العراقي وضع ملاحظات مهمة على أداء المصارف في غير مناسبة، وكان آخرها في آب (أغسطس) الماضي في رسالة وجّهها إلى المصارف، لافتاً إلى «امتناع عدد من المصارف عن تسديد ودائع الزبائن في مواعيد استحقاقها وبالعملة المودعة فيها، وإجبار المودعين على استلامها بالدينار العراقي وفي سعر أقل من سعر السوق، ما أضعف الثقة في الجهاز المصرفي». وأشار «المركزي» العراقي إلى «انخفاض مساهمة القطاع المصرفي في الناتج المحلي الإجمالي البالغة 15 في المئة، وهي تقلّ كثيراً عن مثيلاتها في الدول المجاورة، ما يتطلّب تحسين هذه النسبة من خلال زيادة النشاط المصرفي وتنوّع خدماته». وكان الخبير الاقتصادي محمد شريف أبو ميسم، دعا إلى «واقع جديد تأخذ فيه المصارف (الحكومية والخاصة) زمام المبادرة لتمويل جانب مهم من الطلب المحلّي على الكتلة النقدية، والمساهمة في تدوير عجلة الاقتصاد من خلال رفع نسب الائتمان مقارنة بنسب الودائع والاحتياط القانوني من ودائعها في خزائن البنك المركزي». وحضّ على «الارتقاء إلى مستوى الدور الذي يتبناه المركزي المتعلّق بدعم سيولة المصارف التجارية والمتخصصة بمبلغ خمسة تريليونات دينار، لتمكينها من تقديم القروض للقطاعات الحقيقية دعماً للنشاط الاقتصادي وتأمين فرص العمل، الذي جاء متناغماً مع ما نصّت عليه الموازنة العامة في المادة 44، التي طالبت البنك المركزي بوضع الخطط اللازمة لدعم المصارف الحكومية والخاصة لتحسين أدائها وتعزيز سيولتها». واعتبر أبو ميسم أن هذا النص «هو مطلب لا بد منه لإلزام إدارة المركزي بمسؤولية دعم الاقتصاد الوطني، وحمايته من الانكماش في ظلّ الظروف التي تمر فيها البلاد»، موضحاً أن «الضرورات تبيح المحظورات في وقت يراد فقط من القطاع المصرفي الاجتهاد في أدائه، بهدف تحريك الاقتصاد الوطني وتجاوز مرحلة والاتكاء على السياسة النقدية في جمع الأرباح».
مشاركة :