تونس – عاد الرئيس التونسي قيس سعيد من القاهرة أكثر حزما في مواجهة الإسلاميين، وذلك في كلمة له بمناسبة شهر رمضان وجه فيها رسائل مباشرة وحادة إلى حركة النهضة، في الوقت الذي احتمى فيه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بخطاب المصالحة الوطنية من أجل التهدئة مع الرئيس، بعد حملة واسعة من نشطاء الحركة على زيارة الرئيس التونسي إلى مصر. وقال سعيد في كلمة له بمناسبة دخول شهر رمضان، وفي جامع الزيتونة ذي الثقل التاريخي، إن “القرآن توجّه للمسلمين وليس للإسلاميين ولا لجمعية علماء المسلمين”، في ربط واضح مع الضجة التي أثيرت بشأن زيارته إلى مصر، والتي سعت إلى تخوينه وربطه بأجندة إقليمية للتصعيد مع الإسلاميين. وجاءت في كلمة الرئيس التونسي إيحاءات واضحة إلى خصومه في حركة النهضة وتوظيف الإسلام لحساب أجندات سياسية، من ذلك حديثه عن التناقض في سلوكيات الناس في رمضان مع طبيعة الشهر، إذ قال عن بعض تلك المظاهر “في ظاهرها عبادة وباطنها حسابات سياسية”. كما ردد مفردات في نفس إشاراته الخفية إلى الإسلاميين من نوع “الأوبئة السياسية” و”لترجم هذه الأباليس”، واتهام البعض بـ”الكذب والتجني والقذف”، في إشارة واضحة إلى الهجمات التي تستهدفه هو شخصيا خلال زيارة مصر وقبلها. واعتبر نشطاء داعمون لسعيد أنه جاء مشحونا من مصر ضد النهضة، ربما بسبب حصوله على معطيات وتفاصيل تتعلق بالحركة في علاقتها بما حصلت عليه مصر في تحقيقاتها مع قيادات من حركة الإخوان المسلمين المصرية. وأشاروا إلى أن سعيد وجه “صواريخ” بالجملة إلى حركة النهضة، وهي الكلمة التي دأب الرئيس التونسي على استعمالها سابقا للحديث عن ردوده على ما يصفه بـ”المؤامرات التي تُحاك في الغرف المظلمة”. وركز النشطاء الداعمون للرئيس التونسي على التوتر الذي شاب مواقف الإسلاميين تجاه سعيد خاصة مع زيارته إلى القاهرة، وترويجهم أنها تصب ضمن نظرية المؤامرة، ووجود اتفاقيات سرية بين الرئيس التونسي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتطويق الحركة و”محاسبتها”، خاصة بعد تصريحات الرئيسي المصري عن مواجهة الإرهاب. وتحدث السيسي عن “تعاون مصري تونسي لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف”، مشددا على “ضرورة تعزيز سبل مكافحة الإرهاب بكل جوانبه”، وهو ما فهم على أن المقصود منه جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المختلفة في المنطقة. وردت الرئاسة التونسية على الحملة باعلانها الثلاثاء، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “رئيس دولة شقيقة مرحب به في تونس كضيف عزيز وكأخ لرئيس البلاد قيس سعيد”. Thumbnail وجاءت أبرز ردود الإسلاميين على “صواريخ” سعيد من رفيق عبدالسلام، صهر الغنوشي ووزير الخارجية الأسبق، حين قال إن “رؤساء الدول الإسلامية بادروا بتهنئة شعوبهم بدخول شهر رمضان المعظم، وبثوا رسائل البهجة والتفاؤل والدعوة إلى التحابب وصفاء القلوب، إلا رئيسنا، يصر على إشاعة أجواء الكراهية والحقد، ومحاولة السطو على الدين”. وبات واضحا أن الإسلاميين منزعجون من تحرك الرئيس سعيد في نفس الملعب الذي وظفوه لعقود في الاستقطاب، أي ملعب الدين والانطلاق منه لمخاطبة الناس عبر الآيات والأحاديث واستدعاء الماضي، وهو ما يفسر تركيز نشطاء إسلاميين على مواقع التواصل نقدهم للرئيس سعيد واتهامه باختراق مبدأ تحييد المساجد وأماكن العبادة عن التوظيف السياسي. ورغم محاولته إظهار الهدوء والتماسك، فإن رئيس حركة النهضة لم ينجح في تبديد مخاوفه من النتائج التي يمكن أن تفرزها زيارة الرئيس سعيد إلى القاهرة. وقال الغنوشي إن “تونس بخير وليست مهددة”. لكنه بالتوازي سعى إلى أن يدافع عن التهدئة كونها الوضعية الإيجابية التي تستفيد منها حركته كشريك حكومي، ويستفيد منها هو شخصيا في تثبيت نفسه رئيسا للبرلمان وشخصية سياسية محورية في إدارة الأزمة التي تعيشها البلاد. وشدد الغنوشي على أن رمضان هو “شهر التصالح” بين الجميع بمن فيهم “الأحزاب وكل السلطات”. جاء ذلك في كلمة له قدم خلالها التهاني للشعب التونسي بمناسبة حلول شهر رمضان، ونُشرت على صفحته بفيسبوك. وقال الغنوشي إن “تونس بخير وليست مهددة ما دمنا متمسكين بديننا وبوحدتنا الوطنية وديمقراطيتنا وحرياتنا”. وأضاف “شهر رمضان شهر التصالح بين النّاس.. وهذا يشمل العائلات والجهات والأحزاب وكل السلطات”. وتابع “شهر نتوقع أن يتقارب فيه التّونسيون، وأن يشهد الشعب تطورات مهمة في حياته”. لكن الدعوة إلى التهدئة لا يبدو أنها بمثابة قرار بالتهدئة من النهضة في الصراع مع سعيد، وأن الأمر وفق مراقبين لا يعدو أن يكون مسعى لتبرئة الذمة وإظهار الغنوشي في صورة “الرجل الحكيم”. وحملت تدوينة على فسيبوك لنورالدين البحيري، القيادي المؤثر في الملفات السياسية داخل النهضة، هجوما عنيفا على الرئيس سعيد دون أن يسميه. ودعا البحيري إلى التصدي “لدعاة الفاشية والحكم الفردي الاستبدادي المتخلّف والشعبوية المدمّرة”. كما حث ما أسماه “كل القوى الوطنيّة التعجيل ببناء الكتلة التّاريخية المؤمنة بالديمقراطية والتعددية”، وهو ما فهم على أنه دعوة إلى تحالف واسع ضد الرئيس قيس سعيد وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :