الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،.. فقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء:107]، فالنبي -صلى الله وعليه وسلم- مرسل من ربه رحمة للعالمين جميعًا، إنسهم وجنهم، ومن المواقف التي تبين رحمته -صلى الله عليه وسلم- عندما كذبه أهل الطائف، وآذوه أذى بالغًا، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فأتاني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعثت إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فأتى ملك الجبال فسلم على ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا. كذلك، من دلائل رحمته أنه لم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قتل بيده أحدًا لا في حرب ولا في سلم إلا أبي بن خلف يوم أحد. وقد دعا الإسلام إلى السلام، وجعله مبدأ من مبادئه، فقال -سبحانه وتعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [الأنفال:61]، أمر الله بقبول طلب الأعداء المسالمة إن طلبوها بما تقتضيه قواعد الجهاد، وقال سبحانه: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا} [النساء:90]. ولما طلب المشركون الصلح مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية أجابهم إلى ذلك وأمر بالسلم فقال: إنه سيكون اختلاف أو أمر فان استطعت أن يكون السلم، أخرجه عبدالله بن أحمد بن حنبل في السنة، كذلك يوم فتح مكة عندما خاطب -صلى الله عليه وسلم- أهلها ما تظنون أني فاعل بكم: قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال -صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. هذه مكانة السلام في الإسلام، ودعوته إليه وتقديمه على كل ما من شأنه أن يعكر صفو الحياة من الحروب وغيرها، بل قد تجاوز الإسلام الدعوة إلى السلام في الحروب فدعا إلى السلام في كل شيء، إلى السلام من الجهل والفقر، ودعا إلى السلام كذلك بين أفراد المجتمع، فأوجب العدل والإحسان، وحرم الظلم والعدوان، وإذا كان ولابد من الحرب فقد سبق الإسلام جميع الأنظمة، ووضع القوانين المتعلقة بالحروب والتي تكفل السلام والحماية لحقوق المدنيين وحتى المحاربين الأعداء، ومن ذلك: أولًا: عدم تمني لقاء العدو: فالقتال آخر الوسائل والخيارات، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية رواه البخاري. ثانيًا: أن يكون القتال في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمته. ثالثًا: عدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال، ومن لم يكونوا محاربين فقد قال -صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلًا ولا امرأةً أخرجه البيهقي في السنن. رابعًا: عدم إتلاف الممتلكات أو تخريبها، فقد أوصى أبو بكر -رضي الله عنه- يزيد بن معاوية وقال: لا تقطعن شجرًا مثمرًا ولا تخربن عامرًا ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا، ولا تحرقن نخلًا أخرجه البيهقي في السنن. خامسًا: معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية، وتخيير الإمام فيما يراه من مصلحة في التعامل معهم. هذا هو مبدأ الإسلام وأخلاقياته، ودعوته للسلام فالحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان. وأما في الإطار الدولي، فقد عُرف ما يسمى بالقانون الدولي، وأبرمت في ذلك الكثير من الاتفاقيات والبروتوكولات التي تنظم قواعد الحروب وتقيد وسائلها وأسبابها، وتمثل الاتفاقيات الأساسية لهذا القانون ما يعرف باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين 1977م الخاصة بالنزاعات الدولية والنزاعات غير الدولية. وتهدف هذه الاتفاقيات عمومًا إلى ضرورة حماية المدنيين، والأطفال في النزاعات المسلحة، وتحسين حالة الجرحى من أفراد القوات المسلحة، وكيفية معاملة الأسرى، كما نصت على حظر استخدام أسلحة الدمار الشامل وتجريم مستخدميها. وقد أقرت الجمعية العامة في الأمم المتحدة في قرارها (55/282) أن يكون يوم 21 سبتمبر من كل سنة يومًا للسلام العالمي، وتهدف فيه إلى وقف إطلاق النار وعدم العنف في العالم، وهي دعوة عامة لجميع البلدان والشعوب، وتهدف كذلك إلى نشر الوعي والتعاون في ذلك لتحقيق السلام. وفي الختام، أود الإشارة إلى أن السلام مطلب ضروري ومقصود من مقاصد الإسلام العظيمة، وحيث أبرمت العديد من الاتفاقيات في هذا الشأن فإن الانضمام إليها مصلحة شرعية راجعة إلى تقدير ولي الأمر بما يراه مناسبًا، وذلك يعد من قبل السياسة الشرعية. إلا أن هذه الاتفاقيات من وجهة نظري مازالت قاصرة، ولم تؤد دورها المنشود، فها هي الحروب والصراعات تعصف بمناطق كثيرة من العالم، وها هي الانتهاكات والكوارث الإنسانية، وكأن شيئًا من هذا المعاهدات والاتفاقيات لم يكن. أسأل الله الأمن والسلام. ودمتم سالمين.. هيئة حقوق الإنسان @Als333d رابط الخبر بصحيفة الوئام: اليوم العالمي للسلام (21) سبتمبر
مشاركة :