في سنوات الطفولة والصبا، كان محمد وابراهيم همداني يرافقان والدهما في رحلاته في الولايات الأميركيّة والمقاطعات الكنديّة والدول الأوروبيّة لاختيار أثاث المصمّمين المعطوب بغية ترميمه وعرضه لاحقاً في بيروت؛ يترجمان له كلام البائعين، وينقلان للأخيرين رغبة والدهما في التعرّف إلى المزيد عنه ومفاوضة الأسعار، ثمّ يساعدان في ملء الحاويات قبل الشحن. درس محمد التجارة وابراهيم العمارة الداخلية في كندا، فتابع الشابان مسير الوالد في بيروت، مع اختيار دروب خاصّة بهما لناحية خيارات الأثاث، حتّى أمسى الغاليري الخاص بهما "محطّة" في جولة كلّ مهتمّ في فنون الـ"آرت ديكو". تصوير| فاتشيه أباكليان في سنوات الطفولة والصبا، عندما رافقت والدي، صحبة أخي ابراهيم، في جولاته لشراء أثاث المصمّمين المعطوب بغية ترميمه، كان واضحاً أن تركيز الوالد منصبّ على اختيار الأثاث الكلاسيكي، الإنجليزي منه، والفرنسي بخاصّة من عهود لويس فيليب ولويس الخامس عشر ولويس السادس عشر... كان الأثاث الفرنسي مرغوباً في لبنان زمن الثمانينيات وبعده، لأن كبر المنازل كان يسمح باستقبال قطعه، وأيضاً نتيجة الثقاقة الفرنكوفونيّة السائدة، والذوق الذي يقدّر الحفر على الخشب والتذهيب... لكني، حين تسلّمت وأخي زمام المهنة منذ سنوات عشر، رغبنا في أن نختار في جولاتنا وأسفارنا ما يروق لنا من الأثاث العتيق، ويتناسب مع جيلنا، وطبيعة شققنا محدودة المساحات، وأن نعمّق معرفتنا في هذا العالم، فكانت قطع الـ"آرت ديكور" غايتنا، بالإضافة إلى قطع من خمسينيّات القرن الماضي، وستينيّاته، وسبعينيّاته، فضلاً عن الإكسسورات وعناصر الإضاءة. وساعد أمر تحديد الخيارات في جعلنا نبرز في المجال. تابعوا المزيد: جديد تصاميم ورق الجدران من دور عالميّة رحلة في التاريخ على غرار دور الأزياء العالميّة وعالم السيّارات، لكل قطعة أثاث مصمّم وصانع.. حتّى القطع غير الممضية، القطع التي تتطلّب جهداً مضنياً في الكشف عن كنهها لإسنادها إلى مصادرها، وصولاً إلى التأكد من أصالتها من خلال التدقيق في البراغي المستخدمة في هياكلها، فهي تدلّ إلى زمن وأسلوب محدّدين. أمّا عن مصدر الأثاث فهو ناس يرغبون في التخلّص من متعلّقات منازلهم، على الصعيد المحلّي، رغبة منهم في التجديد... إلى ذلك، يمثّل المصدر الأكبر للمعروضات: فنادق موزّعة في بقع مختلفة من العالم أقفلت أبوابها أو مطاعم أو كازينوهات، أو حتّى أسواق الأغراض المستعملة في أوروبا تحديداً. بعد اختيار الأثاث أثناء الجولات والأسفار، أطلب وأخي شحنه إلى بيروت، فنعمل مع الحرفيين من خيّاطين ومنجدين على جعله يستعيد رونقه، ويعرف تاريخاً جديداً، حتى "يسكن" منازلاً جديدة. إذا كانت القطعة موقّعة باسم مصمّم مرموق من المعلّمين الكبار (جو تشيرازي كولومبو وجان بروفيه ومارسيل بروير...) أو دار (ميزون جانسن، مثلاً...) ذات رمزيّة، نرمّمها بطريقة تحافظ على أصالتها، ولكن إذا رغب أحد في إضفاء تعديلاته عليه فلا مانع في ذلك، بخاصّة عندما يكون العطب كليّاً. تابعوا المزيد: المصمّمة ندى دبس: ستبقى بيروت مركزاً للإنتاج الإبداعي أذواق ومشارب... الثقافة هي المفتاح في هذا المجال، إذ لن يهتمّ أحد في مفروشات المصمّمين المرمّمة، إذا كان عالم الديزاين والديكور لا يستهويه، أو لم يعرف أسفاراً أو تبادلات مع الخارج... وهناك جانب ينبغي الحديث عنه وهو أن أثاث المصمّمين الأصيل والعتيق، يحافظ على قيمته مع مرور الوقت، وهو قابل للاستثمار فيه على غرار اللوحات الفنّية. أمّا في شأن الأذواق فهي مختلفة حسب الجغرافيا؛ ففي حين أنّه من الواضح أن اهتمامات سكّان أميركا الشماليّة، عند تأثيث منازلهم، تتعلّق في اختيار القطع المريحة، بغضّ النظر عن إطلالتها (مع استثناءات بالطبع)، تنجذب الناس في أوروبا إلى الأثاث الوظيفي والمريح وذي الشكل الحسن في الوقت عينه. في الشرق الأوسط، تقيّم الغالبية قطع الأثاث حسب إطلالاتها، والفخامة مطلوبة مهما كانت الإمكانات الماديّة للأفراد. ينحو الأسلوب راهناً إلى "الانتقائيّة" Eclectic style، فمفهوم "طقم المفروشات" غائب، سواء تعلّق الأمر في تأثيث غرف الطعام أو المعيشة أو الصالة، لتستبدل بهذا الطقم قطع متعدّدة المصادر والأزمنة، ومنسّقة معاً في لوحة الديكور. إلى ذلك، هناك فئة ترغب في أن تدمج بالأثاث المعاصر الجاهز قطع المصمّمين ذات التاريخ. عموماً، الأثاث المختار من الحقب التي نركّز عليها يتكيف مع المساحات المحدودة، ويطبق قاعدة "الأقلّ هو الأكثر" أي يكفي حضور قطعة منه حتّى يصنع الفارق في المساحة. بعنا مجموعة من الأثاث لأطراف خارجيّة، ثمّ عرفنا أنّه كان موضوع مزادات عالميّة، ومنها "سوذبيز" و"كريستيز" في أوروبا وأميركا (ميامي). يمكن القول إننا كنّا "الشريك الصامت" في هذه العمليّات. تابعوا المزيد: المصمّمة رولا عادل: اهتمام الشباب بالهندسة الداخليّة "أونلاين" إلى ازدياد
مشاركة :