تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها “النداهة” التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال فى شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها. بعد أن وصل المعز للقاهرة، بعدة أعوام ومع مرور الوقت اتسعت المدينة الناشئة "القاهرة" وبدأت فى النمو والازدهار، وبدأت القاهرة حياة أخرى فى ظل الخلفاء الفاطميين، وتبوأت مكانتها العظيمة بين المدن الأخرى برونقها وبهائها، ثم اتصلت فيما بعد بمدينة الفسطاط لتصبحا معًا أكبر المدن الإسلامية فى العصور الوسطى. فقديمًا كانت المدن فى أغلب البلدان يتم تحصينها بأسوار تقام حولها لصد هجمات المغيرين عليها، ولهذا حرص القائد "جوهر" عندما أنشأ القاهرة على أن يقيم حولها سورًا سميكًا من اللبن وقام بفتح الأبواب الضخمة فيه، فقد تأثر "جوهر" و"المعز" بما رأياه فى أفريقيا الشمالية من حيث التخطيط الرومانى، والمتتبع إلى حركة العمران فى مدينة "تمجد الرومانية" ومدينة القاهرة يجدهما متشابهتان من حيث وجود شارعين أساسيين والذين يقسمان المدينة إلى قسمين إحدهما من الشمال إلى الجنوب ومنتهيا إلى طرق المواصلات للوجهين القبلى والبحرى، مارين بالميادين الوسطى التى بها سراى الحاكم وخدمه وجنده وحدائقه، أما الطريق الثانى فيقسم المدينة من الشرق إلى الغرب أى من باب البرقية إلى باب الوزير وكان ذلك الطريق ينتهى إلى الجامع الأزهر. فكانت مدينة القاهرة التي أنشأها "جوهر" القائد تقع بين مبانى القاهرة الحالية وكانت محاطة بسور من جهاتها الأربع، حيث يبدأ السور البحرى ثم يسير إلى الغرب حتى يتقابل بشارع باب النصر عند نقطة واقعة على بعد عشرين مترا إلى شمال جامع الحاج محمود الحتو المعروف بـ "جامع الشهداء" حيث كان يقع فى تلك المنطقة باب القوس الذى كان بداخل باب النصر ومن هناك يسير السور إلى الغرب حتى يتقابل بشارع المعز لدين الله، على رأس مدخل شارع بين السيارج حيث كان يقع فى تلك النقطة باب القوس الذى كان داخلا فى باب الفتوح ثم يمتد السير فى مكان الوجهة البحرية للمباني الواقعة فى شارع بين السيارج إلى نهايته الغربية عند نقطة تجاه جامع حسن الزركشى، وكان السور البحرى للمدينة ينتهى عند تلك النقطة. أما السور الغربى فكان يبدأ من النقطة المذكورة ثم يسير متجها إلى الجنوب إلى أن يصل إلى رأس شارع أمير الجيوش الجوانى حيث يقع باب القوس الذى كان بداخل باب القنطرة، ثم يسير السور إلى الجنوب فى الوجهة الغربية للمبانى الواقعة بباب الشعرانى البرانى وشارع بين السورين وشارع بين النهدين إلى باب الخوخة على رأس شارع قبو الزينة، ويمتد السور بعد ذلك بالواجهة الغربية لمبانى شارع جامع البنات إلى أن يلتقى برأس شارع الاستئناف، ثم يسير السور ناحية الجنوب إلى مبنى محكمة الاستئناف أى على بعد ٢٠ مترًا، وبعد ١٠ أمتار من شمال باب المحكمة الغربى كان يقع باب سعادة وهو آخر السور الغربى لمدينة "جوهر".
مشاركة :