أقوى الأسلحة الناعمة هي السينما. كثيراً ما سمعنا هذه العبارة، والتي تعني أن السينما سلاح لا يؤذي ولا يجرح، يوجهه المتحكمون به نحو أهداف معينة في المجتمع، فإما أن يصيب وإما أن يخيب. فهل لهذا السلاح الناعم دور في الأحداث المهمة العسكرية والسياسية التي تعيشها الدول؟ طبيعي أن تنقسم آراء أهل الفن السابع، بين مؤيد لضرورة مواكبة صناعة الأفلام للأحداث التي تعيشها مجتمعاتها، وبين مؤجل لهذه المهمة إلى أن تتضح الرؤية وتهدأ الأمور. ومن المؤكد أن ما تمر به المنطقة بأكملها ودول الخليج، يفرض علينا طرح السؤال من جديد، حول أهمية تقديم أفلام تواكب هذه المرحلة العصيبة، تحكي عن شهداء الإمارات وتضحياتهم لأجل العروبة، ومعاناة المهاجرين السوريين في أوروبا، وغيرها الكثير من القضايا الإنسانية المؤثرة والنبيلة. المتعمق في طبيعة ما تنتجه السينما تحت تأثير غضب ما، وفي خضم أحداث ما، يتأكد أن تلك الأفلام تكون عبارة عن مجموعة آراء ووجهات نظر، وأرشفة لما يقال وما تراه العين في اللحظة، والقليل مما يخرج من خلف الكواليس. أعمال تبقى سطحية، تعجز عن التعمق في أبعاد الأحداث وأسبابها المباشرة وغير المباشرة، وتحليل الأمور وتداعياتها.. أعمال انفعالية عاطفية بالدرجة الأولى، لا تحكي حقائق تاريخية، ولا تسلط الأضواء على زوايا يجهلها المشاهد، تماماً كما تفعل كاميرا المراسلين وما تنقله نشرات الأخبار. إذا عدنا بالتاريخ قليلاً إلى الوراء، نجد أن الأفلام المصرية لم تبدأ بمحاكاة زمن ثورة يوليو إلا بعد مرور ثلاثة أعوام عليها، وذلك ليس بسبب غياب كتّاب ومخرجين ونجوم يستطيعون تأريخ هذه المرحلة، بل لأن التعمق في الثورة وأحداث تلك المرحلة التي عاشتها مصر عام 1952، استوجب التمهل لا التسرع. السينما العالمية قدمت أفلاماً ضخمة وما زالت تنتج الكثير عن الحرب العالمية الأولى والثانية، وتحكي قصصاً لم يتم الكشف عنها حتى اليوم، ويقبل عليها الجمهور ليرى جوانب جديدة من أحداث وقعت قبل أكثر من مئة عام، ومازال يكتشف ويتعلم من الماضي العبر. الأغنية هي ابنة اللحظة، مثلها مثل القصيدة، أجملها يولد مع ولادة الحدث فيعبر عن المشاعر، وأقلام الكتّاب والشعراء تدون أروع الأحاسيس والصور في القصائد.. لكن عين السينما تتوغل في عمق الحكايات، تنبش عن المخفي، لذا عليها أن تنتظر، وتراقب، أن تقرأ جيداً وتتمهل قبل أن تحكي عن حروب ومعاناة وبطولات وانتصارات. marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :