يبدو تصعيد روسيا الجديد في سوريا أقل دراماتيكية مما هو عليه فعلًا، ولكنه لا يزال يمثل تطوراً كئيباً آخر في كابوس الحرب الأهلية السورية الراهن، وبينما يبدو أنه ما من قوات روسية تنخرط في القتال، فإن كم العتاد العسكري المنقول من روسيا إلى سوريا بحراً وجواً قد ازداد بشكل كبير في الأسبوعين الأخيرين، وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه من السابق لأوانه الحديث عن المساهمة الروسية المباشرة في تحالف سيجري تشكيله ضد الجماعات الإرهابية العديدة في سوريا. وعلى الرغم مما قاله بوتين، فإن ذلك قد يكون صحيحاً. من الواضح أن نشر قوات روسية محدودة على الأرض للقتال في حرب أهلية راكدة على نحو يدعو إلى اليأس ليس درب موسكو المفضل، وبدلاً من ذلك، فإن التصعيد الأخير ربما يعكس جهداً لتكريس موطئ قوة يمكن انطلاقاً منه إعادة موسكو إلى قلب الدبلوماسية حول سوريا. وهذا لن يكلل بالنجاح على الرغم من أن المساعدة والأسلحة الروسية المقدمة للنظام السوري قد تجعل الموقف في سوريا أكثر سوءًا بالنسبة إلى المدنيين. لقد أوجد النجاح المذهل للقوات الخاصة الروسية في القرم انطباعاً مبالغاً فيه عن قدرة روسيا على تنفيذ عمليات تتضمن استخداماً للقوة، وفي حقيقة الأمر فإن روسيا لا يمكنها إلا أن تنشر بضع عشرات من الكتائب، ومعظمها مقيد الآن على حدود أوكرانيا الشرقية، أو في داخل منطقة الحرب في إقليم الدونباس. ولإحداث أي اختلاف له معناه في المعارك الفوضوية الدائرة في إطار الحرب السورية، فإن روسيا ستحتاج إلى نشر لواء واحد على الأقل، أي ما يتراوح ما بين 3-4 كتائب، أي نحو 1500 جندي، بكل تجهيزاته من الأسلحة الثقيلة، وهو ما يتجاوز القدرة الروسية على النقل والإعاشة. وعندما يفكر المخططون العسكريون الروس في سوريا، فإن نظرهم لا ينصرف إلى القرم وإنما إلى الشيشان، حيث أسفرت عمليات النشر الصغيرة في الأيام الأولى للحرب عن الهزيمة والإذلال، وفي نهاية المطاف اضطرت روسيا إلى نشر قوة قوامها مئة ألف جندي، ومن غير المحتمل أن العسكريين الروس قد نسوا هذه الدروس الصعبة. إن تدخلاً صغير النطاق في شكل نشر سرب من طائرات سوخوي-34 في قاعدة في مدينة اللاذقية التي تسيطر عليها الحكومة السورية هو أمر ممكن، ولكنه سيظل يقتضي جهداً لوجستياً كبيراً وكتيبة بحرية روسية لضمان أمن القاعدة، ولكن الطائرات الروسية ستظل قادرة على الأقل على توجيه ضربات إلى تنظيم داعش. والمخاطر الرئيسية لن تجيئ من نيران العدو، وإنما من الإخفاقات الفنية، حيث لسلاح الجو الروسي سجل حافل من الحوادث التي وقعت أخيراً، وفعالية الضربات في غياب معلومات استخبارية مباشرة والذخيرة الدقيقة من المؤكد أنها ستكون منخفضة، ولكن موسكو ستكون قادرة على الأقل على إظهار قدرتها على إدارة صراع يقتضي عضلات في سوريا. إن مجرد تفكير الحكومة الروسية في نشر مثل هذه القوة العسكرية المكلفة، والتي لا أهمية لها، إلى الدار السورية المشتعلة، يعكس وضع روسيا المثير للقلق في سوريا، فوكيل روسيا في الحرب السورية؛ أي نظام بشار الأسد، عانى من نكسات عدة في الشهور الأخيرة، بما في ذلك تقدم داعش وسط سوريا وانتصارات المعارضة في إدلب. وهدف روسيا من تحركاتها الأخيرة هو العودة إلى أيام تألق بوتين في مبادرته العائدة لسبتمبر 2013، المتعلقة بتدمير الأسلحة الكيماوية السورية، عندما وقفت روسيا في قلب الدبلوماسية التي تدور حول سوريا، وهناك مؤشرات على أن بوتين سيركز خطابه المقبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على فكرة مناهضة الإرهاب ضد داعش يشمل حكومة سورية شرعية تدعمها الأسلحة الروسية. مفارقة من المفارقة أن الاستراتيجية الروسية في سوريا هي على وجه التقريب صورة طبق الأصل من خطة أميركية معيبة بالدرجة ذاتها بالنسبة إلى سوريا، حيث يذهب واضعو السياسات الأميركيون إلى أن إقناع مؤيدي الأسد الخارجيين بالتخلي عنه يقتضي تغيير ميزان القوى في الحرب الأهلية بما يكفي لإيضاح أن النظام ليس له مستقبل. والسياسات الروسية والأميركية تتماثل في جانب آخر منها، فليس من المحتمل أن أياً من هذه السياسات سيقنع الجانب الآخر بالتخلي عن سياسته نحو الأسد، أو الوصول إلى المفاوضات المرغوبة، ومن هنا فإن من المتوقع أن تشهد سوريا تصاعداً تلو الآخر، الأمر الذي لن يسفر إلا عن استدامة الحرب الأهلية وزيادة العنف بشكل فلكي، وستتعلم كل الأطراف أن تغيير ميزان القوى على الأرض لن يكلل بالنجاح.
مشاركة :