يشكل العقل الإسلامي وتاريخ تطوره، معضلة كبيرة لدى عدد كبير من الباحثين، وكثيرا ما نجد جماعات وحركات إسلامية تنادي بعدم الاهتمام بالعقل أو تجنيبه في صالح النقل، وقد اشتهر بطلنا بما كتبه عن تاريخ الحياة العقلية في الإسلام في سلسلته عن فجر الإسلام وضحاه وظهره؛ لأنه فاجأ الناس بمنهج جديد في البحث وفي أسلوبه ونتائجه، فأبدى وجها في الكتابة التحليلية لعقل الأمة الإسلامية لم يُبدِه أحدٌ من قبله على هذا النحو؛ لذلك صارت سلسلته هذه عماد كل باحث جاء من بعده؛ فالرجل حمل سراجًا أنار الطريق لمن خلفه نحو تاريخ العقلية الإسلامية. وُلد أحمد أمين إبراهيم الطباخ في ١١ أكتوبر ١٨٨٦م، في القاهرة، وكان والده أزهريا مولعا بجمع كتب التفسير والفقه والحديث، واللغة والأدب، بالإضافة إلى ذلك كان يحفظ القرآن الكريم ويعمل في الصباح مدرسا في الأزهر، ثم مدرسا في مسجد الإمام الشافعي، وإماما للمسجد، كما كان يعمل مصححا بالمطبعة الأميرية؛ فتفتحت عيناه على القرآن الكريم الذي يتلوه أبوه صباح مساء. بدأ «أحمد أمين» مشواره في التأليف والترجمة والنشر؛ حيث قادته الأقدار في عام ١٩١٤م إلى معرفة مجموعة من الشباب ذوي الاهتمامات الثقافية والفكرية، كانت تهدف إلى إثراء الثقافة العربية؛ حيث قدَّموا للقارئ العربي ذخائر التراث العربي بعد شرحها وضبطها وتحقيقها، كما قدَّموا بدائع الفكر الأوروبي في كثيرٍ من حقول المعرفة. وفي عام ١٩٢٦م اختِير «أحمد أمين» لتدريس مادة النقد الأدبي بكلية الآداب بجامعة القاهرة بتوصية من «طه حسين»، كما انتُخب عميدًا للكلية فيما بعد، على الرغم من عدم حصوله على درجة الدكتوراة، إلا أن انتخابه عميدًا للكلية شغله بمشكلاتٍ عديدة أثَّرت على سَير مشروعه الفكري، ففضَّل الاستقالة من العِمادة في عام ١٩٤٠م. وقد حصل بعدها بثماني سنوات على الدكتوراة الفخرية. كتب في العديد من الحقول المعرفية، كالفلسفة والأدب والنقد والتاريخ والتربية، وقد ظل «أحمد أمين» مُنكَبًّا على البحث والقراءة والكتابة طوال حياته إلى أن انتقل إلى رحاب الله عام ١٩٥٤م، بعد أن ترك لنا تراثًا فكريًّا غزيرًا وفريدًا، راكَم عليه مَن جاء بعده من الأجيال. كتابه "فجر الإسلام" يقع في عدة أجزاء كبار عن تاريخ الحياة العقلية في الإسلام منذ ظهوره وحتى سقوط الخلافة العباسية، تعرّض فيه كاتبه لآلاف الآراء، ومئات الشخصيات، لا بد أن توجد فيه بعض الأمور والآراء التي تحتاج إلى تصويب، دون أن يذهب ذلك بفضله وسبقه وقيمته. وقد وجد أحمد أمين صعوبة كبيرة في تحليل الحياة العقلية العربية، ويقول في ذلك: "لعل أصعب ما يواجه الباحث في تاريخ أمته هو تاريخ عقلها في نشوئه وارتقائه، وتاريخ دينها وما دخله من آراء ومذاهب" . وفي كتابه "ضحى الإسلام" تحدث عن الحياة الاجتماعية والثقافية ونشأة العلوم وتطورها والفرق الدينية في العصر العباسي الأول، وأراد بهذه التسمية (ضحى الإسلام) الاعتبار الزمني لتدرج الفكر العلمي من عصر إلى عصر، واستطاع بأسلوب حر بليغ أن يمزج السياسة بالفكر عند الحديث عن الظواهر الجديدة في المجتمع الإسلامي، وكذلك تدرّج اللهو بتدرَج العصور؛ إذ بدأ ضئيلا في العهد الأول، ثم استشرى في العصور التالية، وحلل الزندقة وأسباب ظهورها وانتشارها وخصائص الثقافات الأجنبية من فارسية وهندية… إلخ، وهذا الكتاب من أَنْفَس ما كتب، وهو من ذخائر الفكر الإسلامي دون نزاع. أما كتابه "زعماء الإصلاح في العصر الحديث" فاشتهر اشتهارا ذائعا؛ لأنه قُرِّر على طلاب المدارس عدة سنوات، فكثرت طبعاته وتداولتها الأيدي على نطاق واسع. وكتاب "فيض الخاطر" جمع فيه مقالاته المختلفة في "الرسالة" و"الثقافة"… وغيرهما، وبلغت نحو ٩٠٠ مقالة في عشرة أجزاء. وكتاب "حياتي" الذي دوّن فيه سيرته الذاتية، ويقول عن هذا الكتاب: "لم أتهيب شيئا من تأليف ما تهيبت من إخراج هذا الكتاب"، ونشر قبل وفاته بأربع سنوات. أما كتبه الأخرى فهي: "ظُهر الإسلام"، و"يوم الإسلام"، و"قاموس العادات والتقاليد المصرية"، و"النقد الأدبي"، و"قصة الأدب في العالم"، و"قصة الفلسفة".. وغيرها. وتعاون مع بعض المحققين في إصدار كتاب "العقد الفريد" لـ"ابن عبد ربه"، و”الإمتاع والمؤانسة”، لـ “أبي حيان التوحيدي”، و”الهوامل والشوامل”، و”البصائر والذخائر”، و”خريدة القصر وفريدة العصر”.
مشاركة :