بعد أربعين يومًا من توليه الحكم، أمر الخليفة العباسي المتوكل بالقبض على وزير الدولة محمد بن عبد الملك الزيات، الوزير والأديب، وأمر بوضعه مسلسلا بما يقرب من 15 رطلا من الحديد داخل مستوقد للنار، مدبب بالمسامير من جوانبه بهدف المبالغة في إيلام الضحية فإذا تحرك من شدة ألم النار مزقت لحمه المسامير، فمات الوزير عام 233 للهجرة النبوية، ووجدوا مكتوبا بالفحم داخل التنور أشعارا تقول: "سهرت عيني ونامت.. عين من هنت عليه". تروى كتب التاريخ هذه الحادثة المؤسفة، ويتساءل البعض عن أسباب التنكيل بالوزير الأديب على يد الخليفة بهذه السرعة، حيث تقول المرويات إن ابن الزيات ارتكب جريرتين: الأولى أنه في عهد الخليفة الواثق سخر من المتوكل وعلق تعليقا سخيفًا على هيئته فأصرها المتوكل في نفسه، والثانية أنه بعد وفاة الواثق رأى بتولية ابنه دون المتوكل. وابن الزيات هو أحد كبار رجال الدولة العباسية، له دور كبير في تقريب العلماء وبذل المال في سبيل الحصول على مؤلفاتهم، حيث يشهد له الجاحظ بذلك، عينه الخليفة المعتصم وزيرا له واعتمد عليه بشكل كبير لما له من كفاءة وحسن تدبير والخبرة بشئون السياسة والحكم، وقيل إن طريقة توليه كانت بعد اختبار له وهو ما يزال كاتبًا صغيرا، حيث سأله المعتصم عن معنى كلمة "الكلأ" فشرح ابن الزيات معنى الكلمة وأنواع الأعشاب وتطرق لأنواع النباتات فأعجب به المعتصم. أما الواثق فكان يعرف مكانته للغاية ومدى أهميته بالقرب منه فرفع من شأنه لدرجة أنه ضرب اسمه على السكة، إلى جانب دوره في عالم الثقافة والأدب، وبقى حتى توفي المعتصم والواثق، وجاء المتوكل الذي كانت نكبته على يديه. وقيل إن طريقة تعذيب المتوكل لابن الزيات لم تكن جديدة بل كان يستخدمها الوزير نفسه لمعاقبة خصومه، حيث يضعهم في التنور فإذا طلبوا منه الرحمة أجاب الضحية: الرحمة خور في الطبيعة- يقصد الضعف. ولما تم وضعه هو في المستوقد طلب الرحمة من الخليفة فأجابه قائلا: الرحمة خور في الطبيعة. فأنشد: من له عهد بنور/ يرشد الصب إليه/ سهرت عيني ونامت/ عين من هنت عليه/ رحم الله رحيما / دلت عيني عليه".
مشاركة :