عرف الناس شعر الرماح بن أبرد، لكنه اشتهر باسم «ابن ميادة»، فهى جارية غير عربية، فولدت الرماح فكان طويلا عظيم الجسم، يرتدى اللباس العطرة، بعكس أبيه الذى اعتاد الرثاثة والجلافة، نُقلت عنه مغامرات فى طلب النساء، وأشهر مغامراته كانت فى سبيل امرأة هى أم جحدر بنت حسان المرية.وكان ابن ميادة جيد الغزل، ونمطه نمط الأعراب الفصحاء، وكان مطبوعًا، وهو الذى يقول: «كأن فؤادى فى يد علقت به / محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه/ وأشفق من وشك الفراق وإننى / أظن لمحمول عليه فراكبه/ فوالله ما أدري: أيغلبنى الهوى / إذا جدّ جدّ البين أم أنا غالبه/ فإن أستطع أغلب وما يغلب الهوى / فمثل الذى لاقيت يغلب صاحبه». عاش فى العصرين الأموى والعباسي، تعرض للشعراء بالهجاء فى قصائده، ومدح من الأمويين الوليد بن يزيد وعبدالواحد بن سليمان، ومن العباسيين أبو جعفر المنصور وجعفر بن سليمان، ومن علماء العرب من يراه أشعر قومه وخيرا من النابغة الذبياني، وأشعر شعراء غطفان فى الجاهلية والإسلام. وفى مدحه الوليد من بنى أمية وجعفر والى البصرة فى زمن بنى العباس قصة طريفة، تدل على وفائه للعطاء والكرم، وأنه أسير الإحسان والبذل، فقد مدح الوليد بقصيدة يقول فيها: «ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة/ بحرة ليلى حيث ربتنى أهلي/ بلاد بها نيطت علىّ تمائمي/ وقطعن عنى حيث أدركنى عقلي»، وعاش حتى أدرك أيام بنى العباس، وقد مر على جعفر بن سليمان بن على وهو والى البصرة، فأنشد: «يا جعفر الخيرات يا جعفر/ ليتك لا تنعى ولا تقبر»، فلما رأى جعفر ركاكة هذا الشعر وخفته قال: يا رماح. قال: لبيك أيها الأمير. قال: أتمدح الوليد بن يزيد الفاسق بمثل ذلك الشعر وتمدحنى بمثل هذا؟ قال: أيها الأمير إن مدح الشاعر على قدر العطية، وما على من فسق الوليد وقد أعطانى أربعمائة ناقة برعاتها وعبيدها وآلاتها؟ والله لا قلت أبدًا إنه فاسق ولو ضربت عنقى فإن إحسانه يمنعنى عن ذلك. فأعجبه ما رأى من شكره ووفائه للرجل بعد الموت وذهاب الدولة، فأمر له بأربعمائة ناقة، وقال له: قل الآن مثل شعرك الذى تقول فيه، فقال: «كنت امرأً أرمى الزوائل مرة / فأصبحت قد ودعت رمى الزوائل/ وعطلت قوس اللهو من شرعاتها / وصارت سهامى بين رثّ وناصل».
مشاركة :