السيرما، فن من الفنون التقليدية التي اشتهرت قديماً في كثير من بلدان العالم الإسلامي، أدخلها ارتباطها بكسوة الكعبة المشرفة، إلى بيوت أمراء المماليك وبيوت كبار التجار والأعيان، وجعلتها أناقتها وتنوع استخداماتها وأصالتها، قادرة على الاستمرار في البقاء كجزء من الديكور الحديث الذي يوصي به كبار المصممين. تقول أم مالك، ربة بيت بالشارقة: أقدر كثيراً قيمة مشغولات السيرما الفنية باختلاف أشكالها وأنواعها، لأنني أشعر بأنها تعطي لمسة راقية ومميزة لديكور المنزل، ولا تفقد رونقها مع مرور الزمن بل تزداد قيمة. وبين الحين والآخر أجدني أزور السوق المركزي بالشارقة للبحث عن قطعة جديدة من السيرما لتجديد ركن ما بالمنزل أو لإضافة لمسة أنيقة وثرية لغرفة الاستقبال. أو حتى إذا عجزت ميزانيتي عن شراء قطعة جديدة فالتجول بين المحال التي تعرض السيرما والتمعن في خيوطها الذهبية والفضية يمنحني إحساساً بالارتياح. وتضيف: السيرما تضفي على منزلي جواً من الفخامة والثراء، لا يضاهيها قطعة ديكور أخرى وتتناسب تماماً مع غرفة الاستقبال المذهبة التي اقتنيها منذ زمن ولكن كلما مرت عليها السنون تزداد وهجاً وقيمة. لطيفة الجارحي، موظفة بدبي، تقول: مشغولات السيرما من أكثر الأشياء التي تشتهر بها الدول العربية والخليجية، بصفة خاصة، فهي تصلح لتزيين كل ركن بالمنزل وإضفاء مظهر جديد وأنيق في المكان وهي تتناسب مع كل الأذواق وأرى شغف صديقاتي ممن يأتين لدبي في زيارة أو سياحة باقتناء المشغولات اليدوية من أسواقها التقليدية، وكثيراً ما اصطحبهن لزيارة القرية العالمية وأجنحتها المتعددة التي تبيع مشغولات السيرما، خصوصاً مفارش طاولة الطعام أو اللوحات التي تستخدم لتزيين الجدران بنماذج مختلفة من الخط العربي والآيات القرآنية الكريمة فهي بركة في كل بيت، فضلاً عن توافر قطع السيرما التي تجسد الفن الهندي التي تتميز بالزخارف والنقوش الحيوانية والنباتية. وكل قطعة يكون لها طابعها المميز ورونقها الخاص الذي يختلف عن القطع الأخرى. وعلى الرغم من أنها تستنفد الكثير من الوقت والجهد، فإن نادرة سليمان، ربة بيت، تشعر بسعادة غامرة عند الانتهاء من كل قطعة. تقول: أجيد حياكة وتنفيذ مشغولات السيرما، وأستمر في تنفيذ القطع المختلفة التي تضفي لمسات متعددة على أركان البيت حتى لم يعد هناك مكان في بيتي يخلو منها. وتضيف: نتيجة لترددي على معارض المنتجات النسائية وجدت فرصة لعرض منتجاتي مع بعض الصديقات وأستطيع أن ألمس مدى إقبال الأسر العربية على هذا النوع من المشغولات اليدوية وأكثر منتج ينفد ويزيد عليه الطلب هو المفارش، باختلاف أنواعها ومقاساتها فهي تناسب كل بيت خصوصاً أنهم يستطيعون الحصول عليها بسعر مناسب في تلك المعارض، لأن السيرما اليدوية بشكل عام غالية الثمن لما تتطلبه من خامات مكلفة وجهد ووقت ومهارات خاصة في صناعتها. وتلك المشغولات من السيرما من عناصر الديكور التي تخطف الأبصار من أول نظرة، حسب زياد مهران، الموظف في دبي. يقول: تمتلك بريقا وإطلالة قوية وقدرة على منح المكان شخصية مميزة وهي من الأشياء القليلة التي لا أعارض زوجتي عندما تتجول بين البائعين والمحلات لشرائها. فاستعراض عدد كبير من القطع والتصميمات يملأ الروح بطاقة إيجابية وجمالية وإحساس بقدرة الفن على الحفاظ على بريقه رغم مرور الزمن. وعن الدور الذي تلعبه تلك مشغولات في ديكور البيت الحديث، يقول المهندس صلاح حداد، مصمم الديكور: التطريز بالسيرما من الفنون التقليدية القديمة التي ازدهرت في الفن الإسلامي لارتباطها بأقدس أشكال العمل الفني في تراثنا القديم، وهو صناعة كسوة الكعبة المشرفة، إذ كانت تُزخرف وتُكتب شرائط من الآيات القرآنية عليها باستخدام أسلاك الذهب والفضة، لتبدو الكتابات والزخارف بارزة ومتألقة. وفي العصر المملوكي كان في القاهرة دار لصناعة الكسوة الشريفة ترسل الكسوة سنوياً في موكب مهيب يتزامن مع موسم الحج، وكان الموكب يعود بعد انتهاء موسم الحج حاملاً الكسوة القديمة فيهدي السلطان المصري قطعاً منها لمماليكه أو للعلماء وكبار الأعيان، وبالتأكيد كان لهذه القطع قيمة معنوية كبيرة فضلاً عن قيمتها الفنية الرائعة وكان الناس يعلقونها في صدارة مجالسهم ومن هنا أصبحت لوحات السيرما جزءاً تقليدياً من مكونات غرف الاستقبال في كثير من بلدان العالم الإسلامي. أبعاد مختلفة للتطريز التطريز في شغل السيرما ينفذ باستخدام خيوط ذهبية أو فضية أو نحاسية إما طبيعية أو مُخلّقة ، ويمكن أن يضم الخرز والترتر المعدني، ويأتي سحر وفتنة هذا النوع من التطريز بفعل لمعان الخيوط المعدنية حيث يغير اتجاه الخطوط مع حركة الضوء من درجات الألوان ، ويجعل السطح يظهر بمستويات مختلفة وتعطي بُعداً آخر للتطريز. وتتميز المشغولات بقدرتها على التجانس مع أشكال عديدة من الديكور والتصميمات المختلفة للأثاث، خصوصاً في غرف الاستقبال أو المكتب، حيث يمكن أن تستخدم في لوحات تعلق على الجدران أو مفارش لتغطية الموائد والأرائك ومنحها لمسة من الفخامة والأصالة. وعلى الرغم من شهرة مراكز النسيج التقليدية في العالم الإسلامي، مثل القاهرة ودمشق، بدقة هذه الحرفة إلا أن كثيراً من أعمال السيرما التي تباع في العالم العربي مصدرها الصين والهند، حيث يوجد تراثٌ من فنون تطريز النسيج الذي نما بشكل مستقل واعتمد بشكل كبير على رسوم الحيوانات والزخارف النباتية والتطريز فوق قطع من القماش السميك ليمنح الزخارف ارتفاعاً إضافياً وبروزاً يجعلها ظاهرة من زوايا مختلفة عند النظر إليها ، وهذه الأعمال تتناسب مع أشكال الديكور الحديثة في غرف الاستقبال حيث تغلب خامات الأقمشة الملونة على الخشب المذهب في تصميم الأثاث. وبشكل عام تبرز خامات السيرما المذهبة مع الخشب والرخام ولذلك فهي تليق بالفيلات ذات الأعمدة أو مع الأثاث ذي الطابع الكلاسيكي أو في ديكورات غرف المكاتب سواء الخاصة أو الرسمية . ومنذ سنوات، بدأت مشغولاتها تتسلل أيضاً إلى ديكور غرف النوم في شكل مفارش للسرير، خصوصاً بعد أن عادت الأسرّة الكلاسيكية النحاسية ذات العمدان لتصبح جزءاً من التصميم الرائج لغرف النوم فأصبحت السيرما مقبولة وقادرة على تدعيم الطابع الكلاسيكي عند استخدام هذا النوع من الأثاث.
مشاركة :