بعد شقاء طال سنوات حملت. هي في شهرها الثاني. ذهبت صباحاً لتجري تحليلاً للدم بناء على طلب طبيبها. وعادت مساء اليوم نفسه إلى المختبر لجلب النتائج. قال لها عامل المختبر أن ثمة مؤشرات تدل على معاناتها من مرض في الغدة الدرقية. انهارت أعصابها. وفي طريق العودة إلى المنزل، أصيبت بنزف شديد اضطرت على إثره لدخول المستشفى على وجه السرعة، وهناك لم يجد الطاقم الطبي حلاً لوقف النزف سوى التخلّص من الجنين للحفاظ على حياة الأم. طلب الطبيب في المستشفى أن يلقي نظرة على التحاليل التي أجرتها المريضة. لم يصدق ما وقعت عليه عيناه، فالتحاليل ليست لها وإنما لامرأة أخرى. حالة ثانية: تقدّم إلى وظيفة حكومية حلم بها طويلاً. نجح في كل الاختبارت ولم يتبقّ أمامه سوى التقرير الطبي. هنا كانت المفاجأة، التقرير يشير إلى أنه مصاب بالآيدز بناء على نتيجة تحليل الدم الذي أجري له. لم يصدّق عقله. لقد تبخر حلمه في لحظات. بدأ يضرب أخماسه بأسداسه قائلاً بينه وبين نفسه: هل هذا معقول؟ لم يستسلم. توجّه في اليوم التالي إلى مختبر آخر لإعادة الفحص. وسرعان ما جاءت النتيجة لتعطيه صك البراءة بأنه غير مصاب بالآيدز. حالة ثالثة: عانى من مغص في البطن وقليل من الحرارة. أجرى تحليلاً للدم ليكتشف أنه مصاب بحمى التيفوئيد. أوعز له الطبيب بإجراء تحليل آخر في مختبر آخر، فجاءت المفاجأة أنه غير مصاب بالمرض المذكور. من لم يسمع في الفترة الأخيرة بقصة والد الطفل المصري الذي انتحر لعدم قدرته على توفير نفقات العلاج الكيماوي لابنه، الذي شخّص الأطباء أنه مصاب بالسرطان، لتكشف فحوص أخرى أن الولد مصاب بفقر في الدم وليس بالسرطان، وشتان بين علاج هذا وذاك. إجراء التحاليل المخبرية أصبح اليوم من الأمور الروتينية عند حدوث أي طارئ صحي، لأنها تساعد الطبيب في تشخيص المرض وعلاجه ومراقبة تطوّره. وعلى رغم التقدم الهائل الذي شهده عالم التحاليل الطبية، ما زالت الأخطاء في نتائج التحاليل تحصل بصمت في غالبية الأحيان، أو بضجة كبيرة عندما تضع حياة المريض في متاهات تقلب وجوده أو مستقبله رأساً على عقب. ويمكن أن تقع الأخطاء في التحاليل الطبية المخبرية قبل إجراء التحليل وخلاله وبعده. وتفيد المعطيات بأن 15 إلى 30 في المئة من الأخطاء تحصل أثناء التحليل المعملي، أما الباقي فيحدث قبل التحليل أو بعده. ففي مرحلة ما قبل التحليل (أي المرحلة التي تؤخذ فيها العينة من المريض ومن ثم كتابة تفاصيل الاسم وغيرها على الأوعية التي تحتوي على العينة)، يستخدم الرباط الضاغط لتسهيل سحب الدم، فسوء استعمال الرباط الضاغط عينه (مثل إطالة وضعه على الزند، أو ربطه بقوة) يمكن أن يؤثر في بعض النتائج المخبرية نتيجة تكسر خلايا كريات الدم الحمر، ما ينعكس سلباً على نتائج مخبرية كثيرة. ومن الأخطاء الشائعة في هذه المرحلة، عدم تطابق الاسم المسجل على العينة مع المريض الذي أُخذت منه تلك العينة. أما الأخطاء التي تحصل خلال إجراء التحليل، فقد تكون ناتجة من خلل في المحاليل المستعملة أو خلل في الأجهزة التي أكل عليها الدهر، أو لعدم صلاحية الكواشف، أو لاستخدام كواشف منتهية الصلاحية أو نتيجة استعمال كواشف بخسة الثمن قليلة الجودة، أو بكل بساطة لعدم كفاءة العاملين في الأجهزة المخبرية. وفي خصوص الأخطاء التي تحصل بعد التحليل، فقد تكون كخطأ في كتابة النتائج الرقمية أو تبديل في البيانات المتشابهة في شكل كبير، إضافة إلى الأخطاء العشوائية التي تقع بالصدفة. ويجب ألا ننسى دور الأكل والأدوية والنشاطات الرياضية والحالة النفسية في إعطاء نتائج مغلوطة. فهناك أنواع كثيرة من الأطعمة التي يمكنها أن تحدث بلبلة في النتائج، مثل ملح الطعام والأسماك الغنية بمادة اليود التي تؤثر في نتائج فحوص الغدة الدرقية، والأغذية الغنية بالفيتامين ك، كالخضروات التي يمكن أن تلقي بظلها على النتيجة الطبيعية لتجلّط الدم. وهناك الحليب الذي يسبب تناوله قبل إجراء فحص الكلس والفوسفور بإعطاء أرقام غير صحيحة تتعلق بهذين المعدنين. وحتى تناول الماء نفسه يمكن أن يغير نتائج بعض التحاليل. وهناك قائمة طويلة من الأدوية التي تؤثر في نتائج بعض الفحوص، مثل الملينات، أدوية الزكام، الأسبرين، المنومات، مسكنات الألم، مضادات الحموضة، حبوب منع الحمل، والفيتامينات وغيرها. ويمكن لممارسة النشاطات الرياضية العنيفة أن تقف وراء بعض الاختلافات في قراءة بعض نتائج التحاليل الطبية، والشيء نفسه يمكن قوله عن الحالة النفسية. الحصول على نتائج تحليل موثوقة يعتبر حجر الأساس في تشخيص المرض وعلاجه، من هنا يجب العمل قدر المستطاع على تحييد الأسباب التي تساهم، في شكل أو في آخر، في رسم نتائج خاطئة تعطي صورة غير حقيقية عن حالة المريض يمكن أن تدخله في عالم من الحيرة والتخبّط والتوجس بما هو أسوأ، بل تؤدي إلى تبعات صحية ونفسية هو في غنى عنها. ولا بد، في ظل خطورة نتائج التحاليل الطبية المغلوطة على مستقبل المريض وصحته، أن تفتح أجهزة الرقابة عيونها للتأكد من كفاءة العاملين في المختبرات، وكفاءة الأجهزة، وصلاحية المواد المستخدمة في الفحوص بحيث تطابق الشروط العالمية. وفي النهاية، تربك نتائج الفحوص الخاطئة الطبيب والمريض معاً في حال الأخذ بها ولم يتم البحث عن الأسباب التي قادت إليها، خصوصاً عندما تتكلم المختبرات بلغات متضاربة تتناقض مع التشخيص السريري.
مشاركة :