الفلسطينيون في حال إلغاء الانتخابات بذريعة التأجيل

  • 4/29/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الفلسطينيون في حال إلغاء الانتخابات بذريعة التأجيل عدلي صادق عباس الآن كمن ابتلع المنجل فلا يستطيع التقدم في العملية الانتخابية ولا التراجع عنها واستيعاب ردود الأفعال الشعبية ولم تعد مُجدية وسيلته في قطع رواتب العاملين الذين يخالفونه الرأي. آمال معلّقة على الانتخابات بات في حكم الأرجح، إلغاء الانتخابات في أراضي الحكم الذاتي المحدود، تحت عنوان التأجيل. وفي حال اتخاذ قرار بالتأجيل، فمن المستبعد أن يكون ذلك التأجيل إلى موعد قريب، لأن الذهاب إلى انتخابات عامة سريعاً لن يعالج الأسباب التي دعت رئيس السلطة إلى الإلغاء. فالرئيس عباس منذ إعلانه عن مواعيد الانتخابات العامة بدأ سريعاً يستشعر الخسارة المحققة حتى في حال حصول قائمته على العدد الأعلى المتوقع من المقاعد، ما يعني أنه سيفقد السيطرة التي يريد الاستمرار في تغليفها بمصطلح “الشرعية”. فالحصول حتى على ثلث مقاعد المجلس التشريعي ـ وهذا خارج التوقعات ـ سيكون الآخرون قادرين على تشكيل حكومة، وسيبدأ عمل مؤسسة الرقابة والتشريع التي ستجعله في كل يوم أمام المساءلة عن قرارات متفردة اتخذها على مستوى السلطة التنفيذية. بعد أيام قليلة من الإعلان عن العملية الانتخابية ومواعيدها ومراحلها؛ لم تكن هذه الحسبة بهذه القوة التي باتت عليها الآن. فقد وصلت توقعاته إلى مرحلة الكابوس بعد التطورات التي جاءت بعدئذٍ، وتلك كانت بحجم ضربات نجلاء لأمله في استمرار سيطرته على النظام الفلسطيني وعلى المقدرات المالية والقوى الأمنية. فما جرى أن اثنين من أعضاء المركزية تخليا عنه في خطوة مسبقة، وشكّلا قائمة مشتركة، أضيفت إلى قائمة عضو المركزية محمد دحلان الذي صدر قرار فصله من الحركة قبل سنوات، تنفيذاً لخياره هو. وبخلاف قائمة عضوي المركزية (أحدهما جرى فصله من الحركة، والآخر لم يكن كأسير، له رمزيته، عرضة للفصل) هناك قائمة تيار فتح الإصلاحي التي يقف وراءها محمد دحلان وهي ذات حضور وازن في المشهد الفلسطيني. بخلاف ذلك هناك أكثر من ثلاثين قائمة غير قائمتي عباس وحماس، وليس أقل من نصف المدرجة أسماؤهم في هذه القوائم من المنتمين تاريخيا إلى حركة فتح. فضلاً عن ذلك؛ فإن معسكر عباس نفسه بات ينطوي على أغلبية صامتة الآن، لكنها رافضة لخيارات عباس في مرشحي قائمته، لذا كان طبيعياً أن يستشعر الرجل الخسارة الوشيكة لسيطرته قبل أن ينتقل إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية في شهر يوليو. غير أن إلغاء الانتخابات تحت عنوان التأجيل لن يحل المشكلة، إذ يتداول الفلسطينيون فكرة ملخصها “طفح الكيل” واستشهدوا بأمثلة ووقائع في دول أخرى، من بينها الصومال التي توصف بأنها دولة متعثرة ويجري فيها الآن نزاع سياسي حتى داخل البرلمان، إذ يعارض البرلمان مجلس الشيوخ، والطيف السياسي في البلاد يحتج على استمرار الرئيس محمد علي فرماجو في موقعه، بعد سنة واحدة من انتهاء ولايته، فما بالنا برجل انتهت ولايته منذ أكثر من عشر سنين ولم ينجح إلا في شيء واحد وهو كسب الأعداء ومضاعفة المواقف والتصريحات التي تسيء له هو نفسه وتستعدي عليه الفلسطينيين. لقد بدأ العديد من العناصر، منذ نحو شهر، محاولة تسويق فكرة الإلغاء بذريعة تصويت المقدسيين، ولم تحقق المحاولة نجاحاً، وبخاصة عندما أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية أن تصويت أكثر من ثلاثة أرباع المقدسيين متاح وخارج السيطرة الإسرائيلية، وأن أقل من الربع الباقي يمكن أن يمارسوا حقوقهم الدستورية بوسائل عدة متاحة. وفي تفصيلات الإخفاق في تسويغ التأجيل أو الإلغاء، قيل إن التذرع بإسرائيل معناه إعطاؤها القدرة على حسم موضوع الانتخابات سلباً أو إيجاباً. فالتعويل على إمكانية رضاها على إجراء انتخابات يمثل ذميمة سياسية مؤداها أن لا انتخابات فلسطينية في حال رفضت إسرائيل، لعشرات السنين، إجراء جزء من العملية الانتخابية، في داخل القدس الشرقية المحتلة. وليس أدلّ على ارتباك فريق عباس بعد فشل محاولة التذرع بالقدس ورفض جميع القوائم الأخرى هذه الذريعة؛ هو ما قاله عزام الأحمد عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، بأن لا انتخابات تحت الاحتلال طالما أن فتح في مرحلة حركة التحرر، ولقيت تصريحات الأحمد سخرية الجميع لأن الرجل لم يفرّق بين شرعية حركة التحرر والشرعية الدستورية، التي كانت فتح نفسها هي الطرف الذي اعتمدها تحت الاحتلال وارتضى شروطها ومحدّداتها. كذلك يُستبعد تماماً أن يلجأ عباس في حال التأجيل، وهو صنو الإلغاء؛ إلى عملية مصالحة فتحاوية لن تكون بغير شروطها، وهي الشروع في إصلاح تنظيمي يبدأ بالتراجع عن قرارات الإقصاء، أو اللجوء إلى القضاء لكي يبت في قرارات الإقصاء، ويفتح أبواب حركة فتح لكل من لا يستطيع هو أن يقدم ضدهم حيثيات تتأسس عليها قرارات اتهام أمام القضاء، بعيداً عن التخرصات ولغة الذباب الإلكتروني. فعباس، الذي يشعر بدنو الوقت الذي سيغادر فيه، ليس مستعداً بحكم تكوينه الذهني للذهاب إلى هكذا مصالحة داخلية تتبعها استعادة مؤسسات النظام السياسي. وفي المحصلة، عباس الآن كمن ابتلع المنجل، فلا يستطيع التقدم في العملية الانتخابية ولا التراجع عنها واستيعاب ردود الأفعال الشعبية. ولم تعد مُجدية وسيلته في قطع رواتب العاملين الذين يخالفونه الرأي. وربما يكون أسلم الطرق بالنسبة إليه، هو المضي في مشروع الانتخابات، وهذا هو الخيار الوحيد الذي يؤمّن له انسحاباً آمناً من الحياة السياسية، رغم أن هذا احتمال بعيد. فموقفه الآن، أو هاجسه المفزع، هو أن يعود دحلان إلى المشهد السياسي، ولو بعشرة مقاعد، بينما التقديرات المنطقية تتحدث عن ضعف هذا العدد على الأقل. ومن البديهيات، أن يكون أعضاء المجلس التشريعي، مع سائر الأعضاء الآخرين، داعمين لمبدأ استقلال القضاء ونفاذ أحكامه، ومن بينها قرارات محاكم عباس نفسه، التي أصدرت أحكاماً بإعادة رواتب موظفين قطعت بغير مُسوّغ قانوني وآذت أسرهم وحرمتها من مقوّمات حياتها، ورفضت سلطة عباس التنفيذية إعادتها. إن مثل هذه الجزئية وحدها تقض مضجعه، وبالتالي سيقاوم العملية الانتخابية بأيّ ذرائع، ولن يجد في حال استمر في مقاومتها، سوى الرهان على تحذير إسرائيل من التداعيات الأمنية باستخدام مفاهيم كـ”الاستقرار” و”العناصر المتطرفة” وتضييع منظومة “التنسيق الأمني”. لكنّ إسرائيل نفسها، في هذه الحال لن تكون طرفاً حاسماً، بحكم كون الانتخابات حق مكفول للشعب الفلسطيني في أراضي 1967. مع ذلك كله، هناك في الأراضي الفلسطينية من يعتقد أن عباس عندما يعجز عن تمرير قرار الإلغاء ربما يهرب إلى الأمام فيوافق على استمرار العملية الانتخابية، لكي يقتص من فتح نفسها التي كان هو السبب في ضعفها، ويريد مع ذلك أن تعزز قوتها لكي تجدّد له شرعيته من خلال المناسبات الانتخابية، ثم تلوذ إلى ضعفها. فلطالما كان هو نفسه يتهكم على ضعف فتح، في جلسات المجلس الثوري للحركة وفي اجتماعات لجنتها المركزية. ففي المجلس الثوري (وكاتب هذه السطور عضو منتخب فيه) كان يردّ على كل من ينتقد الحكومة وتجاوزاتها “لا شأن لكم بالحكومة، فالحكومة حكومتي وليس لكم أيّ حق في البتّ في أمرها في هذا المجلس” ثم يستطرد متهكماً “عندما تكونوا فالحين، وتنجحوا في الانتخابات العامة، يمكن لممثليكم في المجلس التشريعي أن ينتقدوا الحكومة، لكنكم كفتح، لو خضتم انتخابات وكنتم المرشحين الوحيدين فيها، ستحصلون على المركز الثاني”. ولو كان محقاً في الوصف الساخر فإن السخرية الأكثر مرارة ستكون في التغاضي عن التعليل وتجهيل الفاعل وعدم وضع النقاط على الحروف! كاتب وسياسي فلسطيني

مشاركة :