واصل الدكتور هنيدي هنيدي عبدالجواد، مدرس التفسير وعلوم القرآن وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تفسيره لآيات كتاب الله الحكيم من خلال آيات سورة الطاعون. وقال في تفسير قوله - تعالى -: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 1 - 7]، إن هذه السورة الكريمة تُبيِّن الصفات الذَّمِيمِة، والأفعال القبيحة، والنوايا السيِّئة، للمكذِّبين بالله ورسوله، والجاحدين لنِعمه وآلائه، والقاسية قلوبهم، والمنافقين المرائين لأعمالهم، وتوعُّدُهم بالعذاب الأليم يوم الحساب. وبين أن قوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}: الاستفهام: تعجبي. والرؤية: بمعنى العلم والمعرفة. والخطاب: للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكل من يصلح للخطاب. والمراد بالدِّين: يوم البعث والقيامة والحساب. والمعني: أعلمت وعرفت ـ أيها النبي الكريم ـ أعجب من حال هذا الذي يُكذِّب بيوم البعث والقيامة، ويُنْكر الحساب والجنة والنار، ولا يؤمن بالغيبيات وإنما بالماديات والمحسوسات. أما قوله{ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}: يَدُعُّ: من الدَّع: وهو الدفع الشديد، والزَّجْر بعُنف وقسْوة. واليتيم: مَنْ فقد أباه قبل البلوغ. والمعنى: أن هذا المُكذِّب بيوم القيامة، يقسو على اليتيم، ويزجره بعنف، ويمنع عنه أبواب الخير والمعروف. بينما قوله {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}: الحضُّ: تشجيع الغير على فعل الخير. والمسكين: المحروم البائس، المالك لما لا يكفيه من المال. والمعنى: أي أن هذا المُكذِّب بيوم البعث جمع بين مَنْع الخير عن الضُّعفاء وبين تغافله عن تشجيع الأغنياء على بذل الطعام للمساكين والفقراء، قسوةً منه وقُبحًا. ولفت إلى أن قوله{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ}: الويْل: الهلاك والعذاب. السهو: الترك والغفلة. المراءاة: الخِداع والنِّفاق، وعدم الإخلاص. والمعنى: أي: العذاب الشَّديد، والهلاك العظيم لهؤلاء المنافقين الغافلين عن صلاتهم، التاركين لها، المرائين لأعمالهم، المتجردين من الإخلاص لله - عزَّ وجل -. {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]. وقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الماعون: الخير والبِر والمعروف. وهو من العون: أي ما يُعينهم على قضاء حوائجهم. والمعنى: أن هؤلاء المكذِّبين المنافقين يمنعون الخير والبِر والمساعدة عن الضعفاء والفقراء والمساكين، لقسوة قلوبهم، وسُوء طباعهم، وجفاء نفوسهم. هذه هي صفات المكذبين المنافقين، أما المؤمن الحقيقي، المُنقاد والمستسلم لله ربِّ العالمين، هو الذي يؤمن بالغيب، والبعث والحساب والجنة والنار، ويتصف بالصفات الحميدة، من الشفقة والرَّحمة باليتيم، والعطف عليه، وتقديم يد العون إليه، فضلًا عن حثِّ الأغنياء على إطعامهم، وحُسْن معاملتهم، وكذلك المؤمن هو الذي يُحافظ على الصَّلاة في أوقاتها بخشوعٍ وخضوعٍ لله ربِّ العالمين، دون تضييع أو تغافل، يبتغي من صلاته وعباداته وجه الله - عزَّ وجل -، لا رياءً ولا سمعةً، ويحرص على تقديم يد العون والمساعدة للضُّعفاء والمحتاجين، ولا يمنع عنهم الخير والبِرِّ والمعروف.
مشاركة :