< شدد خطيب المسجد الحرام الشيخ صالح آل طالب على أن السعودية حزينة كل الحزن على «شهداء الحج»، لكنها لا تقبل المزايدة أو التشفي من أيٍّ كان، وهي التي «نص دستورها ونظامها الأساسي للحكم على ذلك، والعمارة التي تمت وتتم للحرمين الشريفين ورعايتهما ورعاية قاصديهما أصبحت شاهدة للعيان، إذ أحاط الله بيته وضيوفه بالأمن والطمأنينة في أيام يضطرب فيها العالم وتشتعل نار الفتن والحروب». وقال: «إذا كان قدر الله اختيار بعض عباده شهداء في أحسن حال لهم وأشرف مكان، ويبتلي آخرين بإصابة يؤجرون عليها، فإن من غير المقبول أبداً أن تصادر كل الجهود والإنجازات، وأن يكون ذلك مدعاة للتشفي والمزايدات، ومن اللؤم والدناءة التطبيل على مصاب مسلم واستغلال مصابه لتحقيق مآرب دنيوية أو مكاسب سياسية». وأكد أن «المملكة بحمد الله قادرة على إدارة شؤون الحج بلا مزايدات، ولها السيادة بلا منازع على ما شرفها الله به من خدمة الحرمين الشريفين، ونص دستورها ونظامها الأساسي للحكم على ذلك، والعمارة التي تمت وتتم للحرمين الشريفين ورعايتهما ورعاية قاصديهما أصبحت شاهدة للعيان، وقد أحاط الله بيته وضيوفه بالأمن والطمأنينة في أيام يضطرب فيها العالم وتشتعل نار الفتن والحروب، والحمد لله الذي سخر لبلده الحرام حماة صادقين حفظ الله بهم الدين وحفظ الله بهم العباد والبلاد». وخاطب من منبر المسجد الحرام أمس حجاج بيت الله العتيق، قائلاً «ضيوف الرحمن رضوان الله عليكم، أي أيام قضيتموها وليالي زهر تفيئتموها، وقفتم بعرفات الله وتعرضتم لمغفرته ورحمته، وبتم ليلة مزدلفة ذاكرين الله عند المشعر الحرام في ليل عيد أبرك الأعياد، ثم أصبحتم على أعظم أيام الدنيا يوم النحر يوم الحج الأكبر عيد المسلمين الأعظم للحجاج وفي سائر الفجاج، وقفتم بعرفة ودعوتم، وإلى الله ازدلفتم وابتهلتم، ثم رضيتم وحلقتم وأنختم ركابكم عند بيت الله العتيق، فعلى هذه الرُبى تغسل الخطايا وتؤمن من الله الرحمات والعطايا، تمحى الذنوب والسيئات وتقبل الأعمال الصالحة وترفع الدرجات، فقدروا للبيت حرمته، وتلمّسوا من الزمان والمكان بركته». وأضاف قائلاً: «اليوم (أمس) هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة وهو أول أيام التشريق أيام منى، سماه النبي صلى الله عليه وسلم يوم القر، وذلك لقرار الحجاج واستقرارهم بمنى للرمي والمبيت، وأعمال هذا اليوم وما بعده للحاج هي أن يرمي الجمار الثلاث، وأن يبيت بمنى وأن يقصر الصلوات الرباعية بلا جمع بل يصلي كل صلاة في وقتها، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، أكثروا من التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، هذه الأيام المعدودات التي قال الله فيها: «واذكروا الله في أيامٍ معدودات». كبّروا الله عند رمي الجمار، وكبّروا الله عند ذبح النسك، وكبّروا الله أدبار الصلوات، كبّروا الله في كل وقت وآن، كبّروا واجأروا بالتكبير حتى تُكبّر الأرض ويعلو التكبير للسماوات، كبّروا حتى تعلن الأمة أن الخضوع لا يكون إلا لله، وأن الذل والانكسار لا يكون إلا لله، وأن الله أكبر، منه الاستمداد والعون وعليه التوكل، ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون». ودعا الحجاج إلى تثمين اللحظات التي يعيشونها في البقاع المقدسة، «ففي هذه الأيام تقفون على أرض الوحي ومتنزل الرسالة، رأيتم الكعبة وعانقتم الحجر وصليتم عند المقام، سعيتم كما سعت هاجر، وضحيتم كما ضحّى إبراهيم، واستسلمتم كإسلام إسماعيل، وطفتم كما طاف محمد عليه وعلى الأنبياء الصلاة والسلام، ورأيتم مهد الصحابة الكرام، وسرتم رغبة وإخلاصاً، ذكريات تتجدد عبر الزمان والمكان وتحياها الأمة جيل بعد جيل فتتعمق إيماناً وتتألق يقيناً وتزداد خيراً، إنها مشاعر لا توصف وأحاسيس لا تكتب وإنما يجدها من حضرها ولبّى نداءها، أيام وأماكن وأعمال تهب على قلبك المكدود فتبث فيه الروح وتنبت فيه التقى وتزيد فيه الإيمان، ما أعظم هذا الدين وما أجمل هذا الإسلام عقيدة صافية وإيمان راسخ وسلوك جميل عدل ومساواة ورحمة وعمل». وأكد أن «المسلمين إن لم يجمعهم الحق شعّبهم الباطل، وإن لم توحدهم عبادة الرحمن مزقتهم طاعة الشيطان، وإذا لم يأتلفوا على كلمة التوحيد فسيظلون في أمر مريج، فاتحدوا أيها المسلمون على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وكتابكم القرآن الكريم ودينكم الإسلام وقبلتكم واحدة، فلما التفرق والتنازع وبين أيديكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم». وبين أنه من أراد التعجل فإنه يخرج من منى بعد أن يرمي الجمرات في اليوم الثاني عشر ومن تأخر فيبيت ليلة الثالث عشر ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر، وإذا أراد الحاج أن يرجع إلى بلده فيجب أن يطوف بهذا البيت طواف الوداع ولا يلزمه سعي له ولا حلق، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا يلزمها طواف وداع وكذا أهل مكة لا وداع عليهم. آل طالب: كفاءة المملكة في تنظيم الحج لن تمحى بـ«حادثة عرضية» < أكد إمام و خطيب المسجد الحرام الشيخ صالح آل طالب أن المملكة العربية السعودية برجالاتها وأجهزتها ومؤسساتها تبذل جهوداً لخدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين، منذ عشرات السنين والدولة تدير موسم الحج بكل كفاءة واقتدار ورعاية تدعو للفخار، ولم يضر ذلك أو ينقصه حادث عرضي نجم عن تزاحم أو تدافع بعض الحجاج أو مخالفة لتوجيهات أو تعليمات. ومضى الشيخ آل طالب يقول «إننا إذ نحمد الله على نعماه في تيسير حج مئات الألوف من الحجاج وحفظهم، فإننا حزينون على الحادث الذي قدره الله على بعض الحجاج يوم أمس ولقوا وجه ربهم في حادثة التدافع المؤسف في منى، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا بلا سخط أو اعتراض على مقاديره، وينبغي في الوقت الذي تبحث فيه أسباب وقوع الحادثة لتلافي أمثالها مستقبلاً ومحاسبة المقصر حاضراً أن لا تهدر جهود عشرات الآلاف من المنظمين وخدم ضيوف الرحمن الذين رافقوا الحجيج في كل خطواتهم تنظيماً ومتابعةً، يؤمنون السبل وينظمون الحشود ويعتنون بالمرضى ويهدون التائه ويرشدون الحجيج ويطعمون الجائع ويسقون العاطش، ويعينون العاجز فلأولئك الباذلين جهدهم في خدمة الحجيج الشكر والعرفان والدعاء والابتهال لله عز وجل، وما يخفى من جهدهم أكثر مما يظهر للناس فآجرهم الله وضاعف مثوبتهم، وأن من فجور الخصومة أن يستغل أناس الحدث في التشكيك في الجهود أو الانتقاص من البذل وقد شهد العالم من عظيم البذل وفائق العطاء الذي يقدم لضيوف الله وقاصد الحرمين من ساكني بلاد الحرمين أفراد ومؤسسات». وخاطب الشيخ صالح آل طالب حجاج بيت الله الحرام قائلاً: «اعلموا أن الدولة برجالاتها وأجهزتها ومؤسساتها تبذل جهوداً لخدمتكم وتيسير حجكم، والنظام وضع لمصلحتكم والجهود كلها لأجلكم فالتزموا التوجيهات واتبعوا التعليمات واستشعروا ما أنتم فيه وكونوا على خير حال في السلوك والأخلاق، والزموا السكينة والوقار واجتهدوا وسددوا وقاربوا وأبشروا وآمنوا، فإنكم تقدمون على رب كريم جعل الله حجكم مبروراً وسعيكم مشكوراً وذنبكم مغفوراً». خطيب المسجد النبوي: سيئو النية يقلبون الحقائق ولا يعرفون < حذّر إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة أمس، من شرائح سيئة النية، اعتادت قلب الأمور، وتحويل الحسنات سيئات، وهمهما «لبس الحقائق بزخرف الباطل من القول ليصل إلى ما يريد بزعمه، من اتهام للأبرياء ومحو حسناتهم، ويجتهد ليجعل الحسنة سيئة والخير شراً والعافية بلاء»، معتبراً أولئك الناس «صنفاً لا يعرف العدل والإنصاف، ألف الكذب والافتراء، وهذا الصنف لا يكترث لانكشاف كذبه ووقوعه في هاوية الهوان». وتحدث الحذيفي عن فضل هذه الأيام التي قال إن الحسنات فيها مضاعفة، ولاسيما لمن وهبه الله «الإخلاص»، الذي قال إنه «روح الطاعات». مضيفاً أن «الأيام التي تعقب عيد الأضحى من خصائصها وفضائلها استحباب كثرة ذكر الله تعالى ذكراً مقيداً وذكراً مطلقاً، والذكر المقيد يبدأ بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى بعد صلاة عصر آخر أيام التشريق، إذ روى جابر رضي الله عنه- «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى الصبح من غداة عرفة يكبر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق حين يسلم من المكتوبات». وزاد: «من الذكر المقيد دعاء استفتاح الصلاة، وهو أنواع مباركة ثابتة عن النبي، وأن من المستحب أن يستفتح بهذا مرة وبهذا مرة؛ لنيل ثواب الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولينال بركة كل استفتاح، وحث النبي على الدعاء بهذه الأربع «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال». وأضاف قائلاً أن «الدعاء بعد التشهد يجبر النقص في الصلاة ويزكيها»، داعياً إلى الحرص على حفظ الدعوات الثابتة بعد التشهد، وقال: «إن الذكر بعد الصلاة زيادة في ثوابها ورفعة للعبد عند ربه، مستشهداً بقوله عليه السلام: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»، وقوله: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت). وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الذكر يستحب ويشرع مطلقاً في كل وقت، وأن الله قد أمر به، إذ قال جل من قائل: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً)، مشيراً إلى أن وعد الذكر هو الثواب العظيم، إذ قال تعالى: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً)، وأن ثواب الذكر يتفاضل بتفاضل الأوقات، قال تعالى: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها). مبيناً أن «الذكر ينير القلب ويزيد الإيمان، قال عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)، مفيداً بأن الذكر يحفظ العبد من الشياطين، وهو مكفر للسيئات ومضاعف للحسنات. وأشار الحذيفي إلى أن «الناس في الحكم على الوقائع والحوادث والكوارث أقسام، فقسم يقول فيها بغير علم ويخوض فيها بإشاعات لا صحة لها، ويتفكه في المجالس يريد التسلية، وقد نهى الله عن هذا المسلك، إذ قال: (ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا). واعتبر أن قسماً آخر يخوض في القضايا «بالنوايا السيئة والمقاصد الدنيئة ويلبِّس الحقائق بزخرف الباطل من القول؛ ليصل إلى ما يريد بزعمه من اتهام للأبرياء ومحو حسناتهم، ويجتهد ليجعل الحسنة سيئة والخير شراً والعافية بلاء، وهذا الصنف لا يعرف العدل والإنصاف، وقد ألف الكذب والافتراء، وهذا الصنف لا يكترث لانكشاف كذبه ووقوعه في هاوية الهوان، قال تعالى: (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا). وأكد أن القسم المرضي، هو ذلك الذي «يعمل الأسباب التي شرعها الله وأباحها؛ للوقاية من المصيبة، فغلب القدر وسلم لقضاء الله وقدره، ودفعوا الأقدار بالله ثم بالأسباب المشروعة المباحة، فهم مثابون بالتسليم بالقدر، وهؤلاء أهل العقول والرشد، قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
مشاركة :