تندر للغاية الأخبار الجيدة عن سوريا، بحيث لقي الإعلان الأخير للأمم المتحدة عن تشكيل لجنة تحقيق، تتعلق بالأسلحة الكيماوية ترحيباً خاصاً. وتنعقد الآمال على أن يحول ذلك دون المزيد من ارتكاب الفظاعات، التي لم تتوقف برغم الجهود الدبلوماسية المبذولة، إلا أنه، في خلفية أقل إيجابية للمشهد، حرصت روسيا على أن يبقى أي نص أممي سوريا بمنأى عن تحمل المسؤولية أو المحاسبة، حتى لو اضطر ذلك موسكو لاستخدام حق النقض، الفيتو في مجلس الأمن. ويتماشى ذلك مع استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العامة، التي أمعنت في حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد من أي تحرك يتخذه مجلس الأمن بحقه، إزاء ما ارتكبته قواته من قتل جماعي للمدنيين. قاعدة عسكرية وبرزت، أخيراً، تقارير تؤكد أن روسيا تنشئ قاعدة عسكرية في مدينة اللاذقية الساحلية، وتبرر ذلك رسمياً بمحاربة الإرهاب وداعش في صيغة تتوافق بظاهرها مع الأهداف الغربية. ويمكن القول، إن الوضع في وجهه الأكثر إيجابية يدل على توقع روسيا إبرام صفقة دولية كبرى في سوريا تنهي الحرب الدائرة هناك، وتقسم على الأرجح البلاد إلى مناطق نفوذ مختلفة. وتظهر بعض المؤشرات التي تدل على قلق روسيا من التقارب الأميركي- الإيراني حول سوريا على نحو قد يضعف نفوذها. وليس من قبيل الصدفة أن يكون مركز القاعدة الروسية العسكرية الجديدة قلب المنطقة العلوية، معقل الأسد. ويعزز الانتشار العسكري الأخير موقع موسكو في أي مفاوضات مقبلة، لا سيما أن قوات الأسد تخسر بوضوح السيطرة على الأجزاء الشمالية من البلاد. ويتوقع، من منظور أقل تفاؤلاً، أن يكون مقدراً للحرب السورية أن تدور رحاها لفترة أطول، وأن تتخطى عدد القتلى الذي وصل إلى ربع مليون قتيل، وتضمن حرص روسيا على أن يتمتع حليفها بالقوات والعتاد وكل سبل الدعم، التي يحتاج إليها للصمود. وتجذب مثل هذه التطورات اهتمام الرأي العام العالمي بدرجة أقل من تدفق اللاجئين إلى أوروبا، علماً بأنها تلقي بظلال أكبر على الأحداث المنتظرة، فروسيا وإيران والأسد حلفاء أساسيون، ولا بد لكل من يتساءل عن سبب هروب عشرات آلاف اللاجئين من سوريا أن يتذكر أن السواد الأعظم من الضحايا المدنيين قد قضوا على يد قوات النظام والميليشيات التي تدعمه. وتم توثيق فداحة الجرائم المرتكبة جيداً، بدءاً بالبراميل المتفجرة التي أسقطتها طائرات الهليكوبتر على المدن، وصولاً إلى قصف المدفعية العشوائي، واختفاء عشرات آلاف السوريين في غياهب معتقلات التعذيب السورية. تقاسم المسؤولية وتؤكد كيفية استمرار النظام في تمويل آلياته العسكرية، بالرغم من العقوبات الدولية وانهيار الاقتصاد، على إمدادات قادمة من روسيا وإيران، وارتكاب جرائم حرب فظيعة. لذا ينبغي عند مناقشة الحرب السورية التمييز بين مختلف أنواع التدخل الخارجي، ذلك أن كثرة عدد الأطراف المشاركة تبعث على الاعتقاد أن مسؤولية عدد القتلى والمأساة الإنسانية تتقاسمها الأطراف الإقليمية والدولية بالتساوي. هناك الكثير مما يقال حول فوضى الاستراتيجية الغربية في منطقة الشرق الأوسط يدفع للاعتقاد بأن هذه السياسة تناسب كلاً من نظام الأسد وروسيا على حد سواء. ولن يجدي الأمر نفعاً ولا سيفيد في إنقاذ الأرواح أو وقف تدفق عائلات سورية بأكملها إلى أوروبا. ليس هناك من حل جذري حاسم لإنهاء هذه الحرب، ولن يكون هناك أي حل على الأرجح، إلا أن الأمور كما هي اليوم تشير إلى أن دول الغرب تغفل نقطة أساسية، مفادها أنه حين تنعقد جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة يجب عدم منح بوتين فرصة التنعم بالتضامن الذي تبديه بلاده مع الغرب في جبهة تحدي داعش، وكأن لا يد له في المذابح السورية. ولا بد من ممارسة ضغوط قوية عليه بوصفه الراعي الأساسي للأسد، الذي يعتبر المسؤول والمتسبب الأول في حوادث القتل المتفشية في سوريا. تورط بالجرائم يتضح من التأمل لديناميات الحرب السورية تفاوت تورط المشاركين بجرائم قتل المدنيين. وتتحمل روسيا مسؤولية خاصة، لأنها ليست الداعم الرئيس للأسد فقط، بل تحظى، خلافاً لإيران، بمقعد دائم في مجلس الأمن. لهذا السبب لا بد من التركيز على الجهود الرامية لتبني قرار يحظر البراميل المتفجرة. وستسعى موسكو لنقض مثل هذا القرار، إلا أنها تكون بذلك قد فضحت تآمرها. لقد وصل المأزق السوري لدرجة من التعقيد دفعت حكومات الغرب لصب تركيزها على محاربة داعش، بحيث إنه بات اعتيادياً القول، إنه ما عادت باليد حيلة تنفع حيال سوريا، سوى توجيه ضربات جوية على أهداف متعلقة بمحاربة الإرهاب.
مشاركة :