الدنيا في الأدب العربي والمأثور الشعبي

  • 5/3/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الدنيا عامرها دامر ما فيها خير يا عربي (حميدان الشويعر) إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدوٍ في ثياب صديق (أبونواس) اسم (الدنيا) مشتق من (الدنو) أي القرب، ويقابله اسم (الآخرة).. ومع أن الحياة الدنيا فرصة عظيمة لكسب الآخرة، مع التمتع بالطيبات الحلال والتعطر بمكارم الأخلاق، إلا أن آراء الأدباء والشعراء بشكل عام في الدنيا ليست جيدة، سواء أكان هذا بالفصيح والشعبي، فهي (غدارة، خداعة، فاتنة كاذبة، عجوز متصابية، عدو في ثياب صديق) هذا بعض ما ورد في أوصافها قديماً، وبالتعبير الشعبي فهي (خوينة، أي خائنة وصغر اللفظ للتهويل كما يقال (دويهية) والمراد أنها تخون الإنسان فجأة وبدون ما يشعر (مية من تحت تبن..) كما يقول إخواننا المصريون، ومن أمثالنا الشعبية عنها - كما أوردها الأستاذ عبدالكريم الجهيمان: * (الدنيا ما جَمَعتْ إلا فرّقت) * (الدنيا أطول من أهلها). * (دنياك خاربة). * (الدنيا غرارة). * (دنيا كفى الله شرها). * (دنيا تلعب بأهلها). * (دنياك هذي تجي غرَّات). * (الدنيا ما لها طَرَف). * (الدنيا عبَر) * (الدنيا منشاها من ضعف). * (الدنيا عواري) جمع عارية (أي مستعارة). * (الدنيا ما تدوم لأحد) يضرب لتفاهتها وتقلباتها ومثله (الدنيا لو بقيت لك ما بقيت لها) بمعنى أنها لو أعطتك كل ما تريد حتى آخر العمر وبقيت تعطيك فإنك - أيها الإنسان - لن تبقى لها.. الموت في انتظار الجميع.. الجدير بالذكر أن أكثر اللهجة النجدية وأمثالها من الفصيح.. وفي الدنيا يقول أبونواس - بعد أن شاب ومرض وتاب وقد خاض غمرات الدنيا وجرب كل ملذاتها: «وما الناسُ إلا هالك وابن هالكٍ وذو نَسبٍ في الهالكين عريق إذا امتحن الدنيا لبيتٌ تكشفت له عن عدو في ثياب صديق» والبيت الأخير رائع البلاغة مبدع التصوير.. ويقول: «لا تفرغ النفس من شغلٍ بدنياها رأيتها لم ينلها من تمناها إنّا لننفس في دنيا موليةٍ ونحن قد نكتفي منها بأدناها) أي نتنافس ونتقاتل على أمور تافهة ذاهبة. ويقول أبوالعتاهية: «إني لأعمر داراً ما لساكنها أهل ولا ولد يبقى ولا جارُ فبئست الدار للعاصي لخالقه وهي لمن يتقيه نعمت الدار» وهذا هو الصحيح.. ومثله قوله: «يا صاحب الدنيا المحبَّ لها أنت الذي لا ينقضي تَعبه أصلحت داراً همها أشب جم الفروع كثيرة تعبه إنَّ استهانتها بمن صرعت بقدر من تسمو به رتبه وإن استوت للنمل أجنحة حتى يطير فقد دنا عطبه فتوقَّ دهرك ما استطعت ولا تغررك فضته ولا ذهبه كرم الفتى التقوى، وقرته محض اليقين، ودينه حسبه» والبيت الأول يذكرنا بالمثل الشعبي: (ما عليها مستريح) وقوله (همها أشب..) أي كثير، يقال (أكثر من الهم على القلب).. وما أجمل قول المتنبي: «ومن صحب الدنيا طويلاً تقلبت على عينه حتى يرى صدقها كذبا» فإن تقلبات الدنيا عجيبة غريبة يكاد العقل ألا يصدقها لولا أنها تقع أمامه! ويقول حميدان الشويعر وهو شيخ مصوراً ما مر كأنه يوم: «الايام ما يرجى لهن رجوع غدت بخلانٍ لنا وربوع ربوع لنا قد فرّق البين شملهم وشوف الديار الخاليات يروع مرقت من الدنيا بيوم وليله واعد اسبوع من وراه اسبوع وسود الليالي ما دري عن بطونها يمسن حوامل ويصبحن وضوع أنا ادري بعلم اليوم وامس بما جرى وباكر بغيب والامور وقوع والايام لو تخلف بيوم عذرتها لهن بالليالي الماضيات صنوع أجارني ربي خيارها من شرورها علوم الردى يأتي بهنّ ربوع» ويقول: «الدنيا روضة نوّار صيُّور الريح تطير بها ان جاك من الدنيا طرف فاشكر مولاك لموجبها ليّاك تغيّرها فسقه تغيّر عنك معاذبها تراها خلتني اجرد تجدّد وانا اقالبها غدت لي في دخلجه كن القرطاس ترايبها غدت يم وأنا يمّ ولا عاد الله بجايبها» «خلجة..» امرأة فاتنة ممتلئة.. أي ان الدنيا خدعت الشاعر في شبابه ثم تركته أجرد من الشعر والقوة والمال والقدرة، كناية عن غدر الدنيا وأنها (ما لها خاتمة).

مشاركة :