إذا كانت المستشفيات الخاصة بالمملكة عُلِّقت بها الآمال في الفائت، فإن مستقبلها صار مُعلَّقًا بإعادة تأهيل وإعداد عدد منها للعب دورها المأمول، ولن يتحقق ذلك إلا بتصويب النشوة الكاذبة والفرحة الخادعة التي ابتدعتها تلك المستشفيات وصدّقتها بأنها تسد النقص المتوقع في الرعاية الطبية وتنوع المنتجات الوطنية. إن بؤس خدمات عدد من المستشفيات الخاصة يُجسِّد واقعها ومشكلتها في حساسيتها العالية من الكتابة عنها، فكل من يتناول عجزها هو ضدّها، فمن يكتب يشترط أن يمشي فوق حقل ألغام حذر تُفجِّر غضبها، لهذا أُسارع للقول بأن مقالي هذا يأتي دعمًا لها، لأن النقد عندي يهدف لرفع حساسية الارتقاء بالخدمة الصحية للمستوى الذي يليق بالإنسان، ومن تجربة شخصية أصبحتُ على وعي بمستوى خدمات بعض مستشفياتنا، ولن أُعمِّم لأنَّ هناك مخلصين في القطاع، وقد أحطتُ بهم وبسلبيات آخرين ممن لا يستحقون شرف عضوية هذا النشاط، الاستثمار في القطاع الصحي مع أنه استثمار تجاري إلا أن هناك فروق إنسانية تمنع سعى البعض لاصطياد جيوب المرضى بأي وسيلة وكل مبرر. (صائدو) المرضى لا يتورّعون من مراكمة سلبيات القطاع، فهم مسؤولون عن ما يجرى وعن ضحايا الأخطاء الطبية وضحايا النقص في العناية الصحية وعن تشريد استشاريين رفضوا ممارسات منفرة نفعية ومادية قد تدفع الطبيب للتخلي عن مهمته في معالجة المريض والانصراف لاستنزاف ما في جيبه بدءا برسوم المقابلة إلى تعدد الفحوصات وتكرارها مما يجعل مقصد التعافي شأنا ثانويا في مقابل أولويات مادية. وإذا كانت السياحة الصحية جزءا من الثروة الوطنية، فإن ذلك يستدعي وضع دراسات تُجنِّب القطاع تحدّياته الذاتية وتُمكّنه من المنافسة، الاستشفاء في مستشفيات الغرب يلغي المقارنة بمستشفياتنا رغم أن المقارنة تحضر حيثما استدعى الحال استعادة مشهد تردِّي الخدمات الصحية، ولا حل بالمنافسة لأنها تُفعِّل قانون البقاء للأصلح، وتوفير بيئة عادلة لمن يريد أن يستمر، تمامًا كما بالدول المتقدمة كسويسرا، حيث توفر خدمات طبية أفرزها التنافس، فأي مستشفى سويسري يعلم أن هناك منافسا يسعى لتقديم خدمة أرقى. وزرت المستشفى الجامعي بجنيف للاستشفاء، وكلما قابلت طبيبي أقارن بين مستشفى في جدة اعتبرته نموذجيًا وبين مستشفى جنيف التعليمي، ففي جدة أدفع رسوما أعلى وأحصل على خدمات (صفرية)، وعلى العكس بسويسرا خدمات احترافية تدهش مقارنة بالرسوم، وبمن كنت أراجعه، فقد أجري فحوص أجد لها مبررًا، بينما طبيبي بجدة لا يكتفي بذلك، بل يسارع للتلويح بقرارات جراحية غير احترافية، ومن باب الشفقة على مستقبل هذه المستشفيات والحرص على رأس المال البشري فيها، أقترح على وزارة الصحة إنشاء مستشفيات مساهمة تنافس هذه المستشفيات لانتشالها من تفكيرها في جيوب المرضى، وكم أسعدني اقتراح معالي وزير الشؤون الإسلامية (8/11/2013م) بتوظيف الوقف الإسلامي بالمملكة في إنشاء مستشفيات للفقراء والمحتاجين (السابق قصرنا الوقف على بناء المساجد). إن مقترح تفعيل المنافسة يمكن أن يشمل إنشاء أقسام لمستشفيات حكومية تعمل كقطاع خاص، وتقدم خدمات تليق بالإنسان، وفي نفس الوقت تعمل آلية للنهوض بمن يتعثَّر ويفشل، لأنه بدون ذلك سيستمر التراجع مما يجعل الحديث عن المقارنة بين خدمات المستشفيات السويسرية والفرنسية ومستشفياتنا من باب التمنِّي وأحلام اليقظة.
مشاركة :