السلع الأساسية تعزز الانتعاش الاقتصادي وتكرر سيناريو ما بعد الأزمة المالية

  • 5/18/2021
  • 01:05
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«سجلت أسعار خام الحديد والنحاس ارتفاعات قياسية هذا الأسبوع، حيث أدت حزم التحفيز البالغة قيمتها تريليونات الدولارات إلى زيادة الطلب على المعادن في جميع أنحاء العالم» «يمكن لمنتجي النفط، من الولايات المتحدة وروسيا وحتى دول الشرق الأوسط، الاستفادة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية» سيدني - تحقق أسعار السلع الأساسية المرتفعة مكاسب اقتصادية غير متوقعة للبلدان التي تنتج المعادن الرئيسية التي يعتمد عليها الانتعاش العالمي من الوباء، ولكن رغم هذا الانتعاش فلا تزال هناك بعض المشكلات المستمرة مثل معدلات الإصابة المرتفعة بفيروس كورونا، وبطء انتشار اللقاحات.وسجلت أسعار خام الحديد والنحاس ارتفاعات قياسية هذا الأسبوع، حيث أدت حزم التحفيز البالغة قيمتها تريليونات الدولارات إلى زيادة الطلب على المعادن في جميع أنحاء العالم.ويمكن القول إن التاريخ يُعيد نفسه في الدول المصدرة مثل أستراليا وتشيلي، اللتين استفادتا من الإنفاق الضخم على البنية التحتية من قبل الصين والدول الأخرى التي كانت تسعى جاهدة للتعافي من الأزمة المالية منذ أكثر من عقد من الزمان.أيضًا، يساعد ارتفاع الأسعار على استفادة البلدان المنتجة للسلع الأساسية، وذلك من خلال توفير المزيد من الإيرادات الضريبية، التي يمكن استخدامها لدفع تكاليف الرعاية الصحية وغيرها من تدابير الدعم الاقتصادي، مما كانت ضرورية بسبب الوباء.ومن خلال تقليل الاقتراض، يمكن للبلدان أن تكون معزولة بشكل أفضل عن الصدمات الاقتصادية في المستقبل، كما يمكن أن تكون أسعار السلع المرتفعة محركًا لأسواق الأسهم المحلية، وتزيد من أرباح شركات التعدين مثل بي إتش بي المحدودة BHP Group Ltd. وريو تينتو بي إل سي Rio Tinto PLC، والتي ستدفع بدورها أرباحًا كبيرة للمساهمين.ويمكن لمنتجي النفط، من الولايات المتحدة إلى روسيا وحتى دول الشرق الأوسط، الاستفادة من نفس الاتجاه. فعلى الرغم من أن أسعار النفط لا تقترب من مستويات قياسية، إلا أنها ارتفعت مؤخرًا وسط توقعات متفائلة للطلب العالمي مع تقدم طرح اللقاح وتخفيف قيود السفر، وارتفع خام برنت، المعيار العالمي الرئيسي في سوق النفط، بأكثر من 30٪ هذا العام.ومع ذلك، فإن الحكومات التي تراهن على تحقيق مكاسب غير متوقعة ومستدامة في الإيرادات الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية - ودورها في زيادة الإنفاق قصير الأجل - قد تكون عُرضة للخطر إذا انخفضت الأسعار، كما أن طفرة أسعار السلع الأساسية تهدد بتأجيج معدلات التضخم حول العالم.وقد يحتاج صانعو السياسات إلى التدخل لمنع تشكل الفقاعات الاقتصادية، وذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة من بين حلول أخرى عديدة، وعليهم تطبيق ذلك حتى إذا كان التعافي الاقتصادي هشًا.ويمكن أن تشكّل أسعار السلع المرتفعة أيضًا تحديًا للبلدان التي يتعيّن عليها استيراد النفط أو الغاز أو المعادن. وحتى بالنسبة للبلدان المنتجة، فإن الأسعار المرتفعة لا تشكل دائمًا حلًا سريعًا لتحفيز النمو الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، عانى الاقتصاد البرازيلي خلال تفشي فيروس كورونا الأخير، على الرغم من كون البلاد مُصدرًا رئيسيًا لخام الحديد.لكن أستراليا، التي تنتج أكثر من 50٪ من صادرات خام الحديد العالمية، تعتبر مثالًا على كيفية استفادة نسب النمو عندما ترتفع أسعار السلع الأساسية. وكشفت البلاد، يوم الثلاثاء، عن عجز متوقع في الميزانية لفترة 12 شهرًا حتى يونيو يبلغ 161 مليار دولار أسترالي، أي ما يعادل 126 مليار دولار. وقبل ستة أشهر، كانت أستراليا قد توقعت أن يتضخم العجز إلى ما يقرب من 200 مليار دولار أسترالي.ويعود جزء كبير من الفضل في تحسن الأوضاع المالية لأستراليا إلى سيطرتها على فيروس كورونا داخل حدودها، حيث سجلت البلاد أقل من 30 ألف حالة منذ بدء الوباء، إضافة إلى تأثير إجراءات التحفيز، بما في ذلك دعم أجور العمال.لكن الارتفاع في أسعار خام الحديد، ووصولها إلى مستوى قياسي بلغ 233.10 دولار للطن المتري يوم الأربعاء الماضي، بعد شراء مصانع الصلب الصينية للمزيد منه، لعب أيضًا دورًا مهمًا في تحسن الأوضاع المالية للبلاد.وقال جوش فريدنبرج، وزير الخزانة الأسترالي: «كان سعر خام الحديد أعلى بكثير مما توقعناه في البداية».وتم حساب خطط الإنفاق الأسترالية للأشهر الـ 12 المقبلة بناءً على تراجع خام الحديد إلى 55 دولارًا للطن، ولكن إذا ظل سعر الخام عند 230 دولارًا للطن، فستحصل أستراليا على 15.5 مليار دولار إضافي في الإيرادات السنوية، حسب تقديرات جورج ثارينو، الاقتصادي في شركة يو بي إس جروب إيه جيUBS Group AG.. ومن شأن ذلك أن يخفف من الأثر الاقتصادي السلبي الناتج عن بقاء حدود أستراليا مغلقة لفترة أطول، بما في ذلك تضرر قطاعات مثل السياحة وتعليم الأجانب، والبدء البطيء لبرنامج التطعيم.وخلال الأسبوع الماضي، رفع البنك المركزي الأسترالي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في السنة التقويمية 2021 إلى 4.75٪ مقارنة بتقديرات فبراير البالغة 3.5٪.وقال كيران ديفيز، كبير إستراتيجيي الاقتصاد الكلي في شركة كولابا كابيتال Coolabah Capital: «أرباح قطاع التعدين المرتفعة تعزز أيضًا أسعار الأسهم، مما يساعد على انتعاش الميزانيات العمومية للأسر، بينما تحقق الاستثمارات التقليدية في الودائع ذات الأجل المحدد عائدات تقترب من الصفر».وهناك فائدة أخرى ستعود على أستراليا، حيث إن ارتفاع خام الحديد يحد من الضغط التجاري الصيني. وكانت الصين قد فرضت سلسلة من القيود والتعريفات الجمركية على واردات المنتجات الأسترالية خلال العام الماضي، بما في ذلك الشعير ولحم البقر، وذلك بعد غضبها من دعوة رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون لإجراء تحقيق دولي في أصول التفشي الأولي لفيروس كوفيد-19 في الصين. لكن اعتماد إدارة بكين على خام الحديد القادم من أستراليا تسبب في عدم استهدافها لواردات هذه السلعة.وقال ستيفن هالمريك، كبير الاقتصاديين في بنك الكومنولث الأسترالي: «أكبر مشترٍ على هذا الكوكب يشتري الحديد الخام من أكبر بائع على وجه الأرض». وأضاف: «لا توجد أي دولة أخرى – عدا أستراليا - بمقدورها بيع الحديد الخام بنفس الجودة والكمية التي تطلبها الصين».ويتوقع البنك الدولي أن ترتفع أسعار المعادن بنحو 30٪ هذا العام قبل أن تنخفض في عام 2022، عندما يتراجع النمو المدعوم بحزم التحفيز، وتتقلص القيود المفروضة على الإمدادات.ومع ذلك، يقول تقرير البنك إن الكثير من الأمور ستعتمد على برامج التحفيز الرئيسية، حيث من المحتمل أن تضيف حزمة الإنفاق المقترحة على البنية التحتية في الولايات المتحدة - والبالغة 2.3 تريليون دولار - دعمًا جديدًا لأسعار المعادن، بما في ذلك الألومنيوم والنحاس وخام الحديد.ويشهد مصدرو السلع الأساسية الآخرون عودة في وتيرة النمو، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتوسع الاقتصاد التشيلي بنسبة 6.2٪ هذا العام – وهي نسبة أفضل من المتوسط العام للنمو في قارة أمريكا الجنوبية -، وذلك في ظل استفادة صادرات البلاد من ارتفاع أسعار النحاس، والانتعاش القوي في البلدان المتقدمة والصين. وتضاعف سعر النحاس خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، مسجلًا أعلى مستوى له على الإطلاق عند مستوى 4.7785 دولار للرطل في بورصة كومكس يوم الثلاثاء الماضي.وتزامن الارتفاع في أسعار السلع الأساسية مع التقدم السريع في تشيلي بحملة التطعيم ضد فيروس كورونا، على الرغم من أن البلاد شهدت مؤخرًا زيادة في حالات الإصابة بالفيروس. وقال بعض خبراء الصحة العامة إن البلاد أُعيد افتتاحها بسرعة كبيرة جدًا.وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن كلًا من وتيرة أسعار النحاس ومسار انتشار الوباء يشكلان خطرًا على توقعاته لنمو البلاد، رغم أنه من المتوقع احتواء وتيرة التطعيم السريعة في تشيلي للمخاطر المرتبطة بالوباء.ومع ذلك، يمكن القول إنه بالنسبة للعديد من البلدان، يمثل ارتفاع أسعار صادرات السلع الرئيسية جانبًا إيجابيًا، خاصة في الوقت الذي يواجهون فيه التحديات الاقتصادية والصحية الرئيسية الناجمة عن الوباء. وفي معظم أنحاء أفريقيا وأمريكا الجنوبية، لا تزال الإصابات بفيروس كورونا مرتفعة ومعدلات التطعيم منخفضة.وفي الأشهر الأخيرة، تضرر النشاط الاقتصادي في البرازيل (ثاني أكبر مصدر لخام الحديد في العالم من حيث الحجم)، حيث احتاجت حكومات الولايات والحكومات المحلية هناك إلى إعادة فرض تدابير أكثر صرامة للتباعد الاجتماعي، وذلك للتصدي لمعدلات الإصابات والوفيات القياسية المرتفعة بسبب فيروس كوفيد- 19 المستجد.وقالت وكالة الإحصاء البرازيلية إن الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة 2.4٪ في مارس الماضي مقارنة بمستواه في الشهر السابق، وذلك بعد معاناته من انخفاض أقل في فبراير.ختامًا، وخلال الأسبوع الماضي، رفع البنك المركزي البرازيلي سعر الإقراض القياسي، بينما يعمل صانعو السياسة على مواجهة التضخم، كما أشار البنك إلى احتمالية إقرار زيادة أخرى بمعدل الفائدة في اجتماعه المقبل بشهر يونيو، حتى مع استمرار هشاشة الاقتصاد.

مشاركة :