في ردِّه على كلمة الرئيس حسن روحاني أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قال وزير الخارجية عادل الجبير: «إن إيران آخر مَن يتحدّث عن السعي لاستقرار المنطقة، وإنّها آخر من يتكلّم عن الأمن في اليمن، وآخر مَن يتكلّم عن الديموقراطية، وآخر مَن يتكلّم عن الاهتمام بأمور الحج». في قمة عقدتها الجمعية العمومية، وخصصتها لمناقشة أهداف التنمية العالمية، جاء روحاني حاملاً مشروعات الضغينة والحقد، وخُيّل إليه أنّه لو تحدّث من موقع مهم كهذا، فسينجح في تأليب العالم على السعودية. من الطبيعي أن يستمر مسلسل الانتهازية الفارسية ليقتنص الفرص السانحة، لذلك تقدّم (آخر مَن يتكلّم) إلى منصة الأمم المتحدة منتشيًاـ وكأنّه وقع على صيد عظيم، والحقيقة أنّه كان مثيرًا للشفقة وهو يلعب لعبة باهتة. وقع روحاني في فخ نصبه للمملكة، فالعالم الذي يخاطبه كان متأكّدًا تمامًا أنّه سوف يستغل الموقع والمناسبة ليسيء للسعوديين، وقد بدا سخيفًا وهو ينفذ حرفيًّا توقعات المشاهدين. واستغلال الفرص الرخيصة هو فن فارسي بامتياز، ففريضة الحج الأعظم كانت -وما زالت- المناسبة الأكثر إثارة للشهية الإيرانية، التي تعتبرها موضعًا خصبًا للتخريب، وإشاعة الفوضى والفتن والقتل. في كل عام تحذّر المملكة، وتصرّح بأنّها لن تسمح بتسييس الحج، ولا بالمظاهرات أو الشعارات، ومع كل تحذير يعرف الجميع أن المقصود به هو إيران دون كل دول العالم الإسلامي، ذلك لأن سوابقها لا تُنسى، وصحيفتها سوداء قاتمة. هذا ما قدّمته إيران عبر تاريخها للمسلمين: الدسائس والخداع والمطامع والعنف، ورغم ذلك يسيل لعابها على امتلاك الحرمين الشريفين، ويؤرّق منامها حلم السيطرة على المسلمين وإخضاعهم لحكم الملالي. من منصة الأمم المتحدة تطرّق (آخر مَن يتكلّم) إلى حادثة تدافع الحجاج في منى قائلاً: «إن الشعب الإيراني في حالة حزن عميق؛ بسبب مقتل مسلمين بينهم مئات الإیرانیین في حادث مروّع»، ولم يتردّد في وصف سبب التدافع بـ»سوء الإدارة». كما قال في سياق كلمته: «ينبغي أن يطالب الرأي العام السعودية بسرعة التزاماتها الدولية لتحديد الضحايا، ومعرفة هوياتهم، وبإعادة جثامين الضحايا الإیرانیین، وكشف مصير المفقودين، ثم توخّي الحرص في التحقيق لتفادي مثل هذه الكوارث في المستقبل». هكذا يستغل (آخر مَن يتكلّم) حادثة مأساوية ليطالبنا بلؤم خفي أن نقوم بما نقوم به فعلاً دون حاجة لتوصياته السخيفة، لكي يبدو أن ما نقوم به هو تحقيق لمطالبه. تظهر كل الدول الإسلامية وقار الحزن، وتنتظر بثقة نتيجة التحقيقات السعودية في الحادث الأليم، فلماذا ترفع إيران وحدها صوتها النشاز؟ لأنّها لا تستطيع أن تصمت فتتضاعف دوائر الشك من حولها. لو سألنا أي طبيب نفسي فسيقول لنا إن المجرم يلقي باللوم دائمًا على غيره؛ ليبعد التُّهمة عن نفسه، ويرفع صوته ليبدو أنه غير منزوٍ ولا خائف، والمثل الحاضر في أذهاننا هو «يكاد المريب أن يقول خذوني». لو كان لإيران مخرج من هذه العقدة لاتّخذته، لكنها في معضلة، إن صمتت فهي خائفة وموضع شك، وإن صرخت أزالت أقنعتها، وكشفت أوراقها. كل الدلائل تشير في اتجاه واحد، شهود عيان يُدينون، وحجاج إيرانيون دخلوا السعودية بهويات مزوّرة، وخطاب إعلامي حاضر ومؤقّت ليتبع الحادث ملقيًا اللوم على السعودية، قبل أن تتّضح الأمور. كل ردود الأفعال الإيرانية المستفزة وغير المتزنة، بما فيها وقفة (آخر مَن يتكلّم) على منصة الأمم المتحدة، تنقص من قيمتها في نظر العالم، وتظهر حقارتها، وتفضح إجرامها. هكذا يعود السهم إلى صدر راميه، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
مشاركة :