ملامح النمو المضطرد في الهند تبدو واضحة، فبعد أن خبت أرقام النمو في هذه الدولة ما يربو على عقد من الزمن نتيجة للبيروقراطية المتجذّرة والفساد، يتوقع أن تقود والصين الاقتصاد العالمي في قادم الأيام، كما كانتا في الأحقاب البعيدة.. وقد أشار البنك الدولي في تقارير نُشرت مؤخراً بأن النمو في الهند سيتخطى الصين هذا العام للمرة الأولى منذ 1990م. هذه الموجة الصاعدة للنمو في الهند يجب أن نعتليها كما فعلنا من قبل مع الصين عندما آتت سياسات الانفتاح بين البلدين ثمارها تبادلاً تجارياً كبيراً؛ كان نتاجه أن أصبحت المملكة الشريك التجاري الأول في الشرق الأوسط لهذه الدولة العملاقة، وعلى الرغم من أن عماد التعاون السعودي - الصيني كان النفط والصناعات البتروكيميائية، إلا أن حجم السيولة المتدفقة كان مغرياً نتيجة لحالة الشّره الكبيرة للمصانع الصينية التي تدور خطوط إنتجاها دون كلل معتمدة على تدفقات النفط المنتظمة، انعكس ذلك بلا شك مشروعات تنموية وتطويراً للبنى التحتية في بلادنا. لكن اليوم يبدو أن الاقتصاد الصيني هو في لحظة يمكن تشبيهها باستراحة محارب، فهو يعيش مرحلة تصحيح شاملة بعد أن ظل ينمو بلا هوادة منذ مطلع التسعينيات.. وحتى يعود إلى نشاطه فإننا معنيون بالالتفات نحو الاقتصادات المتوثبة، فعلاوة على الاقتصاد الهندي يجب ألا نهمل اقتصادات دول مثل فيتنام وبنغلاديش وكمبوديا وسريلانكا التي تبدو مغرية.. فإرساء أميركا استراتيجية جديدة تجعل من هذه الدول منطقة مصالح ليس عبثاً أميركياً بقدر ما هو في واقع الأمر تنبّه لحجم التأثير الذي تحمله هذه المنطقة في السياسات والاقتصادات العالمية في المدى الاستراتيجي. رئيس الوزراء الهندي الجديد ناريندرا مودي، القادم من خلفية صناعية واقتصادية جديرة بالاحترام، عازم على مواكبة الصعود الهندي بحزمة إجراءات تقود إلى تقليص حجم الفساد والقضاء على البيروقراطية، معتمداً على تجربته الناجحة في ولاية غوجرات الهندية عندما كان رئيساً لوزراء تلك الولاية.. فالرئيس مودي يدفع باتجاه تعزيز شعار "صنع في الهند"، لكن تعزيز منطقة داخلية يختلف عن تعزيز نمو على مستوى الدولة، فحسب تصريحات المسؤولين الهنود فإن البيروقراطية وضعف البنية التحتية أبرز العراقيل. نمو الهند المرتقب سيتطلب بلا شك إمدادات نفطية منتظمة من أجل تشغيل المصانع التي تتطلع لها كل اقتصادات آسيا، بما فيها الصين، نظير تكلفة اليد العاملة الرخيصة، بالرغم من قلة كفاءتها، وربما نحن معنيون بالتطلع لجعل التعاون بين الذراع النفطي السعودي "أرامكو" والحكومة الهندية أكثر قوة من ذي قبل.. إذ يرغب الهنود منذ فترة لتخزين النفط السعودي في مخازن استراتيجية، وهذه فرصة نراها اليوم متاحة، إضافة إلى العمل على مشروعات أخرى توطد العلاقات النفطية السعودية - الهندية في ظل تقارب إيراني - هندي واضح في هذا القطاع.. ومن الضروري أن نعيد تجربة المملكة في قيادتها للقطاع النفطي، ليس في الصين فحسب، بل في كوريا عندما استحوذت المملكة على جزء كبير من أسهم شركة "اس - أويل" الكورية مطلع التسعينيات بعد أن تخلى عنهم الإيرانيون، لتأتي المملكة وتستحوذ على هذا القطاع وتقوده بكل جدارة، وتصبح مصافي تلك البقعة البعيدة في آسيا من أكثر المصافي ربحية في العالم.
مشاركة :