استيقظت مالي، أمس، مجدداً في أجواء مضطربة باليوم التالي لاعتقال الجيش الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء الانتقالي مختار وان، في تحرك دانه المجتمع الدولي وأراد من خلاله الجيش تأكيد هيمنته بعد 9 أشهر من انقلابه الأول. وأعلن قائد الانقلاب الكولونيل أسيمي غويتا، أمس، تجريد الرئيس ورئيس الوزراء الانتقاليين من صلاحياتهما، واتهامهما بمحاولة "تخريب" المرحلة الانتقالية. كما أشار غويتا، في بيان قرأه أحد المعاونين مرتدياً الزي الرسمي على التلفزيون الحكومي، إلى أن "العملية الانتقالية ستواصل مسارها الطبيعي وأن الانتخابات المقررة ستجرى خلال عام 2022". واتهم غويتا، قائد الانقلاب الذي أطاح الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس 2020، الرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء بتشكيل حكومة جديدة دون التشاور معه مسبقاً، رغم أنه مسؤول عن الدفاع والأمن، وهما قطاعان مهمان في هذا البلد الذي يشهد اضطرابات. وقال إن "هذا الإجراء يدل على إرادة واضحة لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء بانتهاك الميثاق الانتقالي، إذ ثبت وجود نية لتخريب العملية الانتقالية". ويُعتبر الميثاق، الذي أعده إلى حد كبير العسكريون نصاً مرجعياً للانتقال الذي من المقرر أن يعيد السلطة إلى المدنيين. واعتبر غوتا أنه "ملزم بالرد وتجريد الرئيس ورئيس الوزراء وجميع الأشخاص المتورطين من صلاحياتهم". وكان عسكريون اعتقلوا، أمس الأول، الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع سليمان دوكوريه، عقب إعلان تشكيلة جديدة للحكومة لم تكن موضع ترحيب من الضباط، وتم فيها استبدال وزيري الدفاع والأمن. وأفادت مصادر، بأن العسكريين اقتادوا المسؤولين الثلاثة إلى قاعدة كاتي العسكرية على بعد بضعة كيلومترات من العاصمة باماكو، حيث أمضوا ليلتهم الثانية في قاعدة كاتي، كما حدث في 2020 مع كيتا. وسيطرت على الأجواء في مالي الغارقة في أزمة معقدة ومتعددة الجوانب منذ سنوات حالة من عدم اليقين والشائعات والأنشطة الدبلوماسية والسياسية، مع ترقب وصول وسيط دول غرب إفريقيا غودلاك جوناثان. ودانت بعثة الأمم المتحدة في مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والاتحاد الإفريقي وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي "بشدة محاولة استخدام القوة" وطالبت في بيان مشترك "بالإفراج الفوري وغير المشروط" عن القادة الانتقاليين الذين أعربوا عن "دعمهم الثابت" لهم. كما أكدت رفضها مقدماً فرض أمر واقع، بما في ذلك الاستقالة القسرية المحتملة للرئيس ورئيس الوزراء. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى "الهدوء" و"الإفراج غير المشروط" عن نداو ووان. كما عبرت الجزائر عن رفضها تغيير الحكومة "بالقوة" في مالي، مجددة دعمها للرئيس الانتقالي نداو. ودانت فرنسا «الانقلاب» الذي قام به غويتا، الرجل القوي للسلطة المالية. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان «نطالب بالإفراج عن الرئيسين، اللذين يجب ضمان أمنهما، والاستئناف الفوري لمسار الانتقال الطبيعي». وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر قمة أوروبية، أن القادة الأوروبيين «نددوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه»، الأمر الذي يشكل «انقلاباً داخل الانقلاب، وهو أمر مرفوض». وأضاف ماكرون خلال مؤتمر صحافي: «نحن مستعدون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محددة الهدف» بحق الأطراف المعنيين. وأفاد مصدر في الخارجية الروسية، بأن موسكو تدرس الوضع المتعلق باعتقال رئيس الدولة الموقت ورئيس الوزراء، وذكر أن السفارة الروسية على اتصال بجميع الأطراف. وقال دبلوماسيون، إن مجلس الأمن يمكن أن يعقد اجتماعاً طارئاً في الأيام المقبلة حول مالي. وفي منتصف أبريل، أعلنت السلطات الانتقالية تنظيم استفتاء في 31 أكتوبر على تعديل دستوري طال انتظاره، وحددت موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فبراير - مارس 2022 على أن تسلم إثرها السلطة إلى قادة مدنيين. لكن ما زالت الشكوك قائمة بشأن قدرتها على تنفيذ وعودها، لاسيما في سياق تجدد الأزمة السياسية ومع استمرار العنف الذي تنفذه حركات إسلامية متطرّفة ومجموعات أخرى، وفيما تتراكم الأدلة على السخط الاجتماعي. فقد أعلنت المنظمة النقابية الرئيسية للتو عن إضراب جديد هذا الأسبوع. وتشهد مالي التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة، وجارتاها النيجر وبوركينا فاسو إلى جانب أعمال العنف التي تنفذها حركات إسلامية متطرفة، نزاعات قبلية وغيرها من المواجهات التي خلفت الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المشردين.
مشاركة :