الشاعر محمد علي شمس الدين: تغيرت النظرة للشعر مع اختلاف الأزمنة والأمكنة

  • 6/8/2021
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يكتب الشاعر محمد علي شمس الدين القصيدة الهادئة، المشحونة بتفاعلات كثيرة، ليس أقلهما ، الحب والموت . قصيدة تأخذ كاتبها الى مساحة القلق والطمأنينة، وتجعل شاعرها يسير على خطى قلقة أكثر. يسير بينهما الشاعر بخطى الحروف والكلمات،ويتمسك بالقصيدة، أو يدخل الى واحتها ومنازلها الكثيرة، يتجول ،يجلس ويمشي ويقعد، ويرى ما يريد من ذاته ومن العالم. قصيدة بمثابة منزل كامل متكامل يكتبها الشاعر،ويسعى من خلال هذه القصيدة ــ المنزل الى صوغ إقامته الدائمة. فماذا يقول الشاعر عن قصيدته وعن الشعر والحياة والمعني الذي يؤسس لحضور الحياة نفسها؟ رسالة بيروت – إسماعيل فقيه ــــ كيف تعرف نفسك اليوم بعد تجربتك الشعرية، هل تغيّر التعريف، أو أنك ما زلت في زمنك الذي رسم التعريف الثابت؟ ــــــــــ لم يتغير التعريف ، فالشاعر من أيام الكهوف إلى عصر الانترنت هو هو الكائن البشري الذي يتفاعل مع الوجود بطريقة شعرية ويكتب تفاعله بنصوص من اللغة تنطوي على التشبيه والاستعارة والرمز أكثر مما تنقل الواقعة بموضوعيته فالشعر هو طريقة لقول الحقيقة تعتمد على اللمح والاشارة والمفاجأة وهي تختلف عن طريقة المؤرخ أو الفيلسوف أو الرياضي أو الروائي إلخ …كنت أتلقى الوجود بطريقة شعرية ومازلت أتلقاه هكذا ما تغير هو الكتابة . ربما تغيرت النظرة إلى الشعر مع اختلاف الازمان والامكنة ومع التطور الثقافي ومع اقتحام التكنولوجيا لحقول الحياة الحديثة فكان الاقدمون على العموم بخاصة اليونان ومن ثم العرب ينظرون إلى الشعر على أنه وليد السحر وكان الشاعر في الجاهلية يتخذ زياً غرائبياً حين إلقاء قصيدته كما يذكر كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الادب العربي ويموج بصوته ويجعل هذا الصوت يمتد في المدى الصحراوي ولذلك ورد في القراَن ذكر كلمة الهيام ألم ترى أنهم في كل واد يهيمون يقصد الشعراء . الهيام في كل واد معناه اتباع الخيالات والاوهام والاساطير كذلك الاغريق في العصور القديمة اعتبروا أن للشعر ربه وملهمه واعتبروا الشاعر قريباً من سارق النار من الالهة ( بروموثيوس ) مع التطور الحضاري بقي التعريف الكلاسيكي للشعر على أنه هو وليد المحاكاة والوزن وهذا هو تعريف أرسطو له كذلك تعريف ابن سينا والفارابي وهما متأثران بالنظرة الفلسفية لأرسطو . الاضافة الجديدة مع العصور الحديثة ومنذ بودلير اعتبار الايقاع الشعري المنتظم في الوزن غير ضروري واستبدل به الايقاعات النثرية حين طرح سؤالا هو هل يمكن اشتقاق قصيدة من النثر ؟ … مما أدى إلى وجود قصيدة النثر ورواجها حتى الان . شخصياً أرى أن الشعر هو جميع أشكاله وأنه بث روح الايقاع في كتلة اللغة والايقاع الذي أقصده يأتي الوزن كجزء منه لأنه أشمل من الوزن وأعمق وأكثر غموضاً يكاد الايقاع في تعريفاته يكون مرتبطاً بميتافيزيك الحالة أو هو موسيقى المعنى . ويتغير تبعاً لأشكال القصائد . فليس ثمة إيقاع واحد للشعر وهو يتأثر بتطور المدينة وتطور العلوم والتقنيات واكتساب اللغة لتعابير وأحوال جديدة ورموز وعلامات نزداد وتتغير يوماً بعد يوم . ــــ وهل تغير أو تحول تعريف الشعر برأيك. هل يخضع الشعر لتعريف محدد وثابت؟ ـــــــــــــــ إن تعريفي للشعر هو التالي : الشعر جرح من أقدم جروح الغيب جرح لأنه كلمة وكلم في ابن منظور تعني جرح من أقدم يعني أنه قديم بقدم الانسان تجد الشعر محفوراً في الكهوف القديمة وفي رقم الطين وفي الملاحم . وهو موجود في أغاني القبائل البدائية الغيب هو المستور يبدأ من الغائب عن معرفة الانسان سواء في الطبيعة أو في الذات وينتهي بالميتافيزيك فالغيب كما جاء في الاية الكريمة ” يسألونك عن الغيب قل الغيب من أمر ربي ” . هذا هو التعريف الذي يخصني للشعر . أي أن الشاعر يجرح الوجود بالكلمات ليسيل دمه ويعرف المخبأ من أسراره . وهذا التعريف ينقل الشعر من حيز الفهم النقدي المدرسي إلى حيز ميتامدرسي أي يلامس حقيقة الشعر ولا يتوقف عند ظاهره أو شكله لقد قسم القدماء الكلام إلى قطاعين النثر والشعر واستندوا إلى أن للشعر ميزة موسيقية وزنية كما سبقت الاشارة وأما النثر فغرضه تبعاً لأرائهم هو التبليغ والوصف لذلك هو أقرب للنثر العلمي أو الوصفي . فاتهم أن المخيلة يمكن أن تكون في نص نثري أو نص شعري و أن المخيلة هي القاسم المشترك بين هذين البحرين وأن كل الصفات للقصيدة التي ذكرها ابن الاثير وحازم القرطجني وعبد القاهر الجرجاني في أسرار الاعجاز يمكن أن تلحق بنص نثري أو قصيدة موزونة بمعنى أن الوزن وحده غير كاف لتحديد الشعر وهذا ما قاله القدماء أيضاً حتى أن الخروج على الاوزان مارسه شعراء فحول عرب مما دعا شاعراً متواضعاً كأبي العتاهية إلى أن يقول اتجاه ما سئل عنه حول أوزان ابتكرها أو إيقاعات أضافها قال أنا أكبر من العروض ونسب ما يفعله إلى ما يصغي إليه من أصوات غريبة قد تكون بعض أصوات الجن أو الغيب . يعرف فريد الدين العطار النيسابوري العشق بأنه الجنون في القلب وأنا أستطيع أن أقول إن الشعر هو الجنون في اللغة في ما هي كما يقول هيديغر بيت الكائن . ـــــ سؤال مكرر ولكنه متجدد، لماذا تكتب؟ ـــــــــــــــ أكتب لكي أحقق كينونتي لأنني أحس أنني من دون الكتابة كائن هامشي أو تقريباً لا شيء . كتابتي هي وجودي . ذلك أنني حين قذف بي في هذا الوجود وبدأ الوعي يتكون وبدأت الطفل يغدو فتىً كان ثمة أصوات تتردد في أذني مثل أصوات الريح والمطر والطيور والحيوانات وكان أيضاً صوت المؤذن يجرح الفجر ما جعلني أختزن هذه الاصوات كما أختزن مشاهد كثيرة من أحوال الطبيعة كسقوط ورقة من الشجرة على الارض ونمو ثمرة ومشاهد الغيوم وهي تتحرك والخراف وهي تثغو كنت أشبه ما يكون بقيثارة وتعزف علي هذه الاشياء وحين بدأ وعيي يتكون بشكل أكثف بدأ عالم اَخر يتغلغل إلى ذاتي من روافد الكتب الكثيرة القديمة والحديثة التي قرأتها باكراً . جمعت مثلاً وأنا في الثالثة عشرة بين أبي العلاء المعري وأبي حيان التوحيدي في المقابسات وأضفت لهما قراءتي لألبير كامو في كتابه الغريب . صار لدي من خلال الوجود الذي احتككت به حسياً و فكرياً هذا الوجود المزدوج رغبة بل حاجة للتعبير عن ما أعانيه من غموض الوجود ولم يعد يكفي أي شرح ليجعلني على طمأنينة الجواب على هذا القلق لم يأت إلا من سبيل واحد هو الكتابة وفد بدأت الكتابة وأنا صغير بين الثانية عشرة والثالثة عشرة بكتابة بعض الامثال وبعض الحكايات الصغيرة وفيها غرابة وسريالية طفلية ثم وجدت أنني بحاجة لتعبير اَخر لماذا لا أسميه الشعر هكذا جاءت الكتابة تلبية لحاجة وجودية ومن دونها كان يكون وجودي ناقصاً أو منحرفاً . ــــ الى أين وصلت بالبوح الشعري،الى أين أوصلك الشعر؟ ــــــــــــــ وصلت إلى ديوان النازلون على الريح وقصائده في معظمها تأتي تحت عنوان مجاز كما أنني في شيرازيات جديدة أضفت تسعة قصائد للطبعة الاولى من الشيرازيات . و أما الوصول فلا وصول لأن الشعر هو الطريق إلى الشعر . تطور نظري للغاية من الشعر مع تطور مراحل التجربة في البدايات أقول لك كتبت بعض القصائد في أيام الصبا ودافعي هو التعبير الموت وعن مصدر الاشياء والحياة وعن أسرار ما يحيط بي في الطبيعة وكان الدافع هو موت صديق صغير لي في القرية حيث كنا نعيش وهي قرية بيت ياحون في الجنوب اللبناني كان اسم هذا الفتى نجيب وكان أحول ولكنه صاحب مخيلة عجيبة يقول لي مثلاُ إنه رأى على صخرة العروس فتاة خضراء الشعر ولها جوانح وحين اقترب منها طارت . أثر بي هذا الصبي وجعلني عرضة للخيال . نجيب هذا مات وهو صبي بقذيفة أتت من ناحية الحدود . كما إنني كتبت قصائد حب مبكرة لأنني أحببت فتاة ذات وجه قمري جميل المفارقة هي أنه بعد خمسين عاماً وبعد أن رحلت هذه الفتاة إلى بلاد بعيدة واسمها نوال صدف أن التقيت بها صدفة فلم أعرفها . حطمها الزمن . هذه التغيرات وما يرافقها هي التي حرضتني على أن أصور ما تتركه الاشياء حين تتغير والاحاسيس والافكار في ذهني وأعبر عنها معتقداً أن اللغة حين تتدخل في الكتابة والمخيلة والمجاز والاتعارة فإنها تخلق نصاً شعرياً أو روائياً هو مغاير لنص الحياة أي أن الشعر ليس تقليداً للواقع أو محاكاة كما قال فلاسفة اليونان القدماء إنه ابتكار أول باللغة لعوالم الكتابة . ـــــ الكتابة في حياتك هل هي فعل صعب المنال، وكيف تفسر معنى الكتابة في أيامك؟ ـــــــــــ الكتابة هي في منطقة حائرة بين القصد والالزام أي أنها ليست تداعيات محض اَلية كما هي ليست إرادة تامة . إنها في المنطقة الوسط بين الجبر والتفويض . في النتيجة أنا مصارع للكلمات في حلبة صعبة . وفي هذا الصراع لا بد من دم وضحايا وانتصار . وربما سألت نفسي هل الكتابة عملية تعويض عن إحباط عملي في الحياة أي هل الكتاب هم فئة من الفاشلين حياتياً ثم هل الكتاب هم فئة من صيادي فراشات الوهم والاحلام بالتاكيد لا أستطيع أن أعتبر الكتابة إستجابة لضرورة نفعية ولكنها سلوك للمخيلة أساسه رفض واقع مهما كان أي لنفترض أن شاعر صدف أن كان أميراً أو ملكاً أو تاجراُ ثرياً فإن ذلك لا يملأ شغور الكلمات . و كما أن الكتابة ليست إستجابة طبقية فهي أيضاً هبة الضعفاء والفقراء والمشردين إنها سمة إنسانية أنا لا أرى أن الرواية الحديثة مثلا هي استجابة روائية لبروز طبقة برجوازية صناعية مع نشوء المدن الكبرى والتطور الصناعي إذ يمكن أن تكتب الرواية في عوالم بدائية سحرية كما فعل ماركيز وكورتثار فالفن على العموم سواء أن كان شعراً أو رواية أو قصة إلخ … هو وليد ما ليس موجودا في الحياة أستطيع أن أقول هو وليد الرفض والفراغ بل هو منافسة صعبة وخطيرة لإبداع الطبيعة والوجود إن زهرة تنمو في شباك أو في صخرة هي غير زهرة رسمها فان غوغ . ـــــ كيف يمكن للشاعر أن يحمي روحه في ظل الخوف الذي يجثم على صدر الحياة والإنسان اليوم؟ ــــــــــــ أنا في ديواني النازلون على الريح أنحاز للضحايا لأن ميزان العدل المكسور في الوجود ما زال مكسوراً و لا أغوص كثيراً في تفاصيل ما ذكرت . لكني أميل إلى مسألتين الاولى : الحكمة . الثانية : المراثي . ما كل الالتباسات التي تتحرك فيها الكلمات . ومن الصعب أن يتم تحديد العوالم والابعاد التي تقودني إليها مراكب الشعر أنا مبحر في ظلام وفي بحر هائج وليس لي مرفأ ولا نجم فقط نجوم الدتخل والكلمات . ـــــ أين أنت من الحب ؟ ــــــــــــ الحب موجود ولكنه فقد أشياء واكتسب أشياء . ما زال الحب ملاذاً وخلاصاً . لعله القشة الاخيرة للغرقى فكلما اشتدت الضغوط الالية والحروب يصبح الحب ملجأً وقد يصبح طريقة . وأنا شاعر حب . بالمعنى الصوفي للكلمة . ـــــ كيف يمكن للشاعر أن ينأى برهافته وسط الجنون الذي يسيطر على تفاصيل كثيرة في الحياة؟ ــــــــــــــــ لا يستطيع أن ينأى ولكنه يكيف الجنون . وقد يبتكر له مضادات لأن الشعر مخيلة أيضاً . ــــ كتبت كثيرا للمرأة ، ماذا تقول عن المرأة اليوم؟ ـــــــــــــــــــــــــــ ما زالت . و هي من أجمل معطيات الوجود . ــــ سؤال الجمال ماذا تجيب عليه؟ ــــــــــــــ قد يكون الجمال هو أن تقول كل ما قيل وسيقال في الجمال . ــــ هل أنت شاعر ظالم أو مظلوم . شاعر حزين؟ ــــــــــــــ أنا شاعر قلق . و أبحث عن دليل لبعض أسرار الحياة و الموت ، لست حزيناً ولست مغتبطاً بل حائر . ــــ ما العبرة أو الحكمة التي وصلت اليها؟ ـــــــــــــــــــ أقولها في قصيدة مريم : ” كلما جرحت هذي البرتقالة تتبسم ربما علمها الحب وأعطاها جماله ربها أو طفل مريم ” … كلما أوغلت في البحر نأى الشاطىء عني ولكي أسترجع الشاطىء في البحر أغني . كلما أرسلت إلى النجم يميني كان برق خاطف أسرع مني كلما أدركت ما كانت تقول الشجرة فاجأتني سوسة نائمة في الثمرة . هكذا نبدأ من حيث انتهينا لا لنا شيء ولا شيء علينا ” . هذا بعض الحكمة في شعري .

مشاركة :