غيب الموت الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين اليوم الأحد عن عمر ناهز 80 عاما تاركا للقراء والمثقفين كنوزا من الدواوين الغنية بفلسفة الشعر الطليعي. ولد شمس الدين في قرية بيت ياحون في جنوب لبنان عام 1942 ونشأ وعاش في بلدة عربصاليم قرب النبطية. وكتب الشعر فتيا وغاص لاحقا في التاريخ والأدب الإسلامي وتدرج بين المحاماة والإلمام بالشعر الفرنسي. وحاز على شهادة دكتوراه دولة في التاريخ من الجامعة اللبنانية كما حمل إجازة في الحقوق وعمل مديرا للتفتيش والمراقبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان لكن شغفه كانت القصيدة أينما حل في الوظيفة أو المدن. وانتمى في شعره إلى الأرض والإنسان والمرأة وكان جنوب لبنان قبلته الدائمة، فُصنف بأنه أحد أبرز شعراء جبل عامل. وقد سبق وأبدى تعلقه بالجنوب في حوارات صحفية، وقال لجريدة الجمهورية “انتمائي للجنوب كانتماء الجرح للطعنة.. الجنوب حملني، ثم حملته في شعري أبعد من الرقعة الجغرافية”. وأضاف “فانتمائي للجنوب وجودي أكثر ما هو مذهبي، أنا مسيحي بمقدار ما أنا شيعي وأنا مسلم بمقدار ما أنا وجودي فلا تعنيني المذاهب ولكن تعنيني العِبر من كل شيء”. ونعاه اتحاد الكتاب اللبنانيين ووصفه في بيان بأنه “الشاعر البهي الطلعة، عميق الفكرة، بعيد التطلع، المجدد في الشعر والمتجدد مع رقي الكلمة، الشاعر الذي شغل دنيا الوطن والعرب بقصائده المميزة”. وأضاف البيان “الخسارة الوطنية والفكرية فادحة وخسارة اتحاد الكتاب اللبنانيين كبيرة برحيل هذه القامة الباسقة، لكن ما يعزينا أن أثره وتراثه سيبقيان ذخرا للأجيال ومنارة للشعراء وطلائع الإبداع”. وترك شمس الدين مكتبة زاخرة بالإصدارات ومجموعة دواوين منها (قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا) و(رياح حجرية) و(الغيوم التي في الضواحي) و(شيرازيات) و(كتاب الطواف) و(حلقات العزلة) و(طيور إلى الشمس المرّة) و(أما آن للرقص أن ينتهي) و(غيم لأحلام الملك المخلوع) و(أناديك يا ملكي وحبيبي) و(الشوكة البنفسجية) و(أميرال الطيور) و(يحرث في آبار) و(منازل النرد) و(ممالك عالية) و(اليأس من الوردة) و(غرباء في مكانهم) و(النازلون على الريح). وتحفظ دواوين شمس الدين أسماء مريم وليلى وزينب لكن أكثرها تناولا كانت قصيدة زينب بعدما غنى مقاطع منها المغني اللبناني وليد توفيق في فيلم (من يطفئ النار) الذي شارك فيه الممثل الراحل فريد شوقي. وكتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج واصفا رحيل الشاعر شمس الدين بأنه “ضربة قوية في قلب الشعر وروحه. خسارة لا تعوض. كان محمد علي شمس الدين (أبو علي) شاعر العرب ولبنان وجبل عامل أكثر من شاعر، كان فنانا رقيقا، وصانعا نحاتا للغة، ومناضلا من أجل انتصار الشعر والحق. لا يرى الشعر خارج القيم الإنسانية العالية، فقدان جلل لا يقاوم إلا بالترحم عليه والصبر الجميل”. أما الشاعر الأردني يوسف عبد العزيز فاكتفى بقوله “لقد انطفأ قمر الشعر، وانكسرت مرايا العشاق”. وقال الشاعر اللبناني شوقي بزيع إن شمس الدين لم يسقط كما تسقط الأوراق عن فروع صيفها الآفل، أو كما تسقط فكرة نافلة من عتمة الذاكرة، بل كما تسقط المدن والنيازك وأبطال الملاحم القديمة. وستجرى مراسم جنازة شمس الدين في بلدة عربصاليم حيث كان يردد “المأساة هي في تركيبي النفسي وهذه ورثتها ثم عايشتها. أنا ابن المناحات العاشورائية في الجنوب اللبناني، لكن كل أحزان العالم أحزاني. من لا يألم لا يعيش”.
مشاركة :