التجارة الحرة عبر «الهادئ» تعيد رسم خريطة المنافسة في الاقتصاد العالمي

  • 10/7/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من التحذيرات المتتالية لصندوق النقد العالمي بشأن الوضع الاقتصادي الدولي، فإن الأنباء الاقتصادية الجيدة لا يزال من الممكن حدوثها. فبعد مفاوضات شاقة استمرت خمس سنوات، وعديد من الجولات التي منيت بالفشل والإخفاق، وقعت 12 دولة من البلدان المطلة على المحيط الهادئ اتفاقية التجارة الحرة. الاتفاقية تضم كلا من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأستراليا وكندا وبروناي وشيلي وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام. الموقعون وبلغة الأرقام يضمون نحو 800 مليون نسمة، ولديهم قرابة 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و50 في المائة من التجارة الدولية و40 في المائة من الاقتصاد العالمي. ما يجعل أهمية الاتفاقية وتأثيرها يتجاوزان حدود البلدان الموقعة، ويؤثران في مسيرة الاقتصاد الدولي. وإذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد اعتبر التوقيع نصرا شخصيا له، ستؤدي الاتفاقية إلى تعزيز التبادل التجاري بين واشنطن والدول الموقعة، بعد أن تم التخلص من 18 ألف نوع من أنواع الضرائب التي تفرضها البلدان الأعضاء في الاتفاقية على منتجاتها، فإن التأثير الاقتصادي للاتفاقية ظهر سريعا مع تحسن أداء البورصات الآسيوية. إذ ارتفع مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 1 في المائة وهذا أعلى معدل له منذ منتصف شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، بينما صعد مؤشر ASX200 الأسترالي بنحو 0.3 في المائة، كذلك ارتفعت بورصة كوريا الجنوبية بما يقارب 0.6 في المائة في أعلى ارتفاع لها منذ آب (أغسطس) الماضي، أما بورصة هونج كونج فقد بلغ معدل التحسن 0.4 في المائة. الدكتور بيتر بيل أستاذ التجارة الدولية وسبقت له المشاركة في عدد من جولات المحادثات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. يعتبر أن الأهمية الاقتصادية لمنظومة الدول المشاركة في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة في منطقة المحيط الهادئ، من وجهة نظره هي للضغط على الصين بشكل كبير، حيث لا تسمح له بالهيمنة الاقتصادية المطلقة على المنطقة. ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "تصريحات الرئيس أوباما إثر التوقيع والقول إنه عندما يعيش ما يزيد على 95 في المائة من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا، فلا يمكن أن نجعل الصين تكتب قواعد الاقتصاد العالمي، تكشف بوضوح أن هدف الموقعين هو الحد من التغول الاقتصادي الصيني، فبكين الآن لم يعد أمامها غير الانصياع للقواعد التجارية التي حددتها الاتفاقية، وإلا فإن البديل أن تقاتل بمفردها لفرض شروطها الاقتصادية والتجارية" ويعتبر داني كانجتن الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاقتصادية أن الاقتصاد الدولي لم يشهد منذ بعض الوقت توقيع عدد كبير من الدول لاتفاقية تجارية، لكن أهمية الاتفاق بين الموقعين لا تقف عند حدود خفض التعرفة الجمركية. ويعلق لـ"الاقتصادية" قائلا "نص الاتفاق يشير بشكل وأضح أنه سيتم التعامل مع العقبات التجارية غير الجمركية بمعنى المعايير والقوانين التنظيمية التي تحكم الخدمات والاستثمار، وهذا سيمثل قفزة للانتعاش الاقتصادي في تلك المنطقة التي تعد الأسرع نموا اقتصاديا في العالم". وأضاف أن الاتفاقية تناولت عددا من القضايا التي لم تتناولها منظمة التجارة العالمية، وعلى الرغم من أهمية ذلك، إلا أن المرجح أن تواجه تحديا حقيقيا نظرا لاختلاف المعايير المعتمدة بين الموقعين. وتوحيد تلك النظم والمعايير سيتطلب فترة زمنية طويلة، مع ضرورة البحث عن حلول غير تقليدية، ولهذا لا أتوقع أن يتم حصد النتائج الاقتصادية الإيجابية للاتفاقية سريعا. ومع هذا فإن البعض يعتبر أن توقيع واشنطن لاتفاقية التجارة الحرة في منطقة المحيط الهادئ يمهد الطريق "للاتفاقية الأم" وهي "اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي ستعد – في حال توقيعها – الاتفاقية التجارية الأكبر دوليا منذ أكثر من ربع قرن تقريبا. وعلى الرغم من استبعاد أن يتم ذلك خلال 15 شهرا المتبقية من فترة الرئيس الأمريكي، فإن اتفاقية المحيط الهادئ ستمثل ضغطا على القوى الأمريكية المتحفظة بشأن توقيع اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، كما ستمنح الإدارة الأمريكية مزيدا من التركيز في العمل بشأن حل المشاكل العالقة مع الأوروبيين، لمحاولة حل الخلافات التجارية والاستثمارية التي تعيق الوصول إلى اتفاقية بين ضفتي الأطلسي. لكن الدكتورة إلين ليفا من الوحدة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي تعتبر أن حجم الخلافات التي كانت موجودة بين البلدان الموقعة على اتفاقية التجارة الحرة لمنطقة المحيط الهادئ، أقل حدة وعمقا من نظيرتها الموجودة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ولـ"الاقتصادية" تعلق قائلة "على الرغم من أن بلدانا مثل ألمانيا وبريطانيا لديهما رغبة في سرعة توقيع اتفاقية الشراكة الأطلسية، إلا أن النقاشات بين الممثلين التجاريين للاتحاد الأوروبي وواشنطن تشهد خلافات جوهرية حول قضايا حساسة بالنسبة للمواطنين على ضفتي الأطلسي من قبيل المنتجات المعدلة وراثيا مثلا، وهذا يجعل من إمكانية التوصل إلى اتفاق بين واشنطن والاتحاد الأوروبي أكثر صعوبة ولكن ليست مستحيلة". وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة لدول المحيط الهادئ، لا يعني أن الأمر انتهى وأن هناك قبولا عاما بها. إذ لا تزال الاتفاقية محل انتقاد قطاعات واسعة من مواطني البلدان الـ 12، وكذلك مواقف سلبية من قبل عديد من المنظمات والمؤسسات المدافعة عن حقوق العمال. فعلى الرغم من إقرار الجميع بأن الاتفاقية ستدر مليارات الدولارات للدول المشاركة، وستسهم في إنعاش اقتصادي حقيقي، في وقت يشهد فيه العالم تدنيا في معدلات النمو، فإن الشكوك تحيط بكيفية التوصل إلى الاتفاقية ذاتها، إذ تم خوض عديد من جلسات التفاوض في سرية تامة، كما يتهمها الخصوم بالانحياز إلى الشركات على حساب العمال، وسط مخاوف من أن تؤدي إلى تقليص الكثير من الوظائف، وهو ما لم ينكره إد فاست وزير التجارة الكندي لكنه قلل من شأنه، مشيرا خلال المؤتمر الصحافي بعد التوقيع قائلا "لا نتوقع أن يكون هناك خفض للوظائف، ولكن هناك قطاعات يتعين عليها التكيف مع الوضع الجديد" وهو ما جعل المعترضين على الاتفاقية يفسرون الدعوة إلى "التكيف" بأنها تتضمن تقليصا في قوة العمل في بعض القطاعات. ولـ"الاقتصادية" يعلق الدكتور تشارلز بفينز أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة أكسفورد قائلا "من المنطقي للغاية أن تقوم بعض القطاعات بإعادة هيكلة نفسها في ظل المنافسة الحرة الناجمة عن توقيع الاتفاقية، وإعادة الهيكلة تتضمن في كثير من الأحيان التخلي عن بعض العاملين وتقليص الوظائف، لكن كل هذا سيحدث في الأجل القصير، إما في الأجل المتوسط والطويل فإن انتعاش التجارة واتساع السوق سيتضمنان توسيعا لعديد من القطاعات الاقتصادية التي ستكون في حاجة ماسة إلى مزيد من قوة العمل" ومع هذا فإن بعض المختصين يحذرون من أن إحدى أبرز النتائج السلبية للاتفاقية، لربما تمتد إلى قطاع إنتاج العقاقير الطبية، خاصة في البلدان النامية. إذ طالبت الولايات المتحدة خلال سنوات المفاوضات، أن تمنح شركات الأدوية حماية لمدة 12 عاما على أمل أن يساعده ذلك على الاستثمار في مجال إنتاج العقاقير الحيوية باهظة الثمن، إلا أن بعض البلدان الموقعة وتحديدا أستراليا ونيوزيلندا طالبا بفترة حماية لا تتجاوز خمسة أعوام على أمل مساعدة برامج الرعاية الصحية لديهم بخفض ميزانيتها، لأنها هي التي يتحمل دفع تكلفة العقاقير الحيوية المدعومة من الدولة. ومع هذا فإن معرفة وتقييم حجم الضرر الذي قد يقع على هذا القطاع الاقتصادي الحيوي قد يصعب تقييمه في الأجل المنظور، وسط توقعات بأن تتضمن الاتفاقية ضمانات لتفادي أي أضرار قد ينال من أداء قطاع العقاقير في البلدان الأقل تطورا ضمن الدول الموقعة على الاتفاقية، لكن هذا لن تتم معرفته بشكل تام إلا عند السماح بالاطلاع على النص الكامل للاتفاقية بعد قرابة شهر من الآن.

مشاركة :