ألمانيا تستعد للتخلص من نفوذ الأئمة الأتراك أوسنابروك (ألمانيا) – في محاولة لتخفيف نسبة رجال الدين المسلمين الآتين من الخارج، وخاصة الأئمة الأتراك، أطلقت السلطات الألمانية برنامجاً لإعداد كوادر دينية بمواصفات تراعي التوجه الرسمي الألماني، وذلك على خطى فرنسا التي عملت على التخفيف من نفوذ جماعات الإسلام السياسي على الجالية بتدريب أئمة بمواصفات تجمع بين الجانب الديني والهوية الفرنسية. وخلال السنوات الماضية وجدت ألمانيا صعوبة في التحكم بالمساجد التي يتحكم فيها الأئمة الذين تشرف عليهم منظمة “ديتيب” التي ترتبط بوزارة الأوقاف التركية. وأثار الأئمة الأتراك المشاكل لألمانيا من خلال الترويج لأفكار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والقيام بحملات دعائية لفائدته، وكذلك وجود شكوك رسمية في التجسس لفائدة أنقرة. وفي أول مساعي الاستعاضة عن النفوذ الديني التركي يباشر نحو أربعين رجلا وامرأة مهمة الإعداد الذي يستمر لسنتين ويوفره معهد الإسلام في أوسنابروك في شمال غرب ألمانيا. وجرت أول الدروس الاثنين في المكتبة الواسعة التي تضم 12 ألف مؤلف تم شراؤها من مصر على أن يكون الافتتاح الرسمي الثلاثاء. وهذا الإعداد متاح لحاملي شهادة في الفقه الإسلامي أو شهادة موازية ويتضمن فترات تدريب محورها الجانب العملي والتثقيف السياسي أيضا. وتدعم السلطات الفيدرالية ومقاطعة ساكسونيا السفلى خصوصا هذا البرنامج ماليا في بلد يتراوح عدد المسلمين فيه بين 5.3 و5.6 ملايين أي من 6.4 إلى 6.7 في المئة من إجمالي السكان. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت إلى اعتماد برنامج لإعداد الأئمة اعتبارا من العام 2018 أمام النواب. وأكدت “هذا الأمر سيجعلنا أكثر استقلالية وهذا ضروري من أجل المستقبل”. ويقول أسنيف بيجيتش الذي يرأس معهد الإسلام إن هذا الإعداد “يتسم بميزتين إذ نريد أن نعكس واقع حياة المسلمين في ألمانيا فيما الدروس تتم حصرا باللغة الألمانية”. وأضاف أحد الطلاب ويدعى أندير شيتين، الذي يعمل بشكل تطوعي في سجن أحداث في برلين، “نحن ألمان مسلمون، نحن جزء لا يتجزأ من المجتمع ولدينا الآن فرصة لنصبح أئمة يتلقون إعدادا محليا”. وحتى الآن يأتي أغلب الأئمة في ألمانيا من دول مسلمة، ولاسيما تركيا، ويتلقون الإعداد في دولهم الأم التي تدفع رواتبهم. ونصف رجال الدين الذين تتراوح أعدادهم بين 2000 و2500 ينتمون إلى منظمة “ديتيب “التركية التابعة مباشرة لوزارة الأوقاف التركية وتدير 986 جماعة محلية، حسب ما تفيد به مؤسسة كونراد أديناور. أما الآخرون فيأتون بنسبة 80 إلى 90 في المئة من دول شمال أفريقيا وألبانيا ويوغوسلافيا السابقة. وفي غالبية الأحيان يأتي هؤلاء إلى ألمانيا لفترة أربع إلى خمس سنوات، وبعضهم يحملون تأشيرة دخول سياحية، دون أن يعرفوا البيئة الثقافية والاجتماعية المحلية. ويوضح شيتين، وهو ابن مهاجريْن تركيّيْن ولد في برلين، “رجال الدين هؤلاء لا يتكلمون لغة الشباب الذين لا يفهمون التركية جيدا في غالب الأحيان. ومن المهم أن يكونوا على تماس مع واقع المجتمع متعدد الثقافات والذي يتعايش في إطاره مسيحيون ويهود وملحدون ومسلمون”. ويضيف أن بعض رجال الدين وهم موظفون لدى الدولة التركية “يطبقون أجندة” سياسية في ألمانيا. وتظهر مسألة النفوذ الذي تمارسه تركيا بانتظام في النقاشات، خصوصا منذ محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العام 2016. وفي العام 2017 اشتبه القضاء الألماني بأن أربعة رجال دين من أعضاء “ديتيب” تجسسوا على معارضين ومنتقدين للسلطة التركية. إلا أن إعداد رجال دين بدعم مالي من الدولة الألمانية يثير انتقادات لأنه يصطدم بمبدأ مفاده أن الجماعات الدينية هي وحدها مؤهلة للإعداد. فلا تشارك “ديتيب” و”ميلي غوروس”، ثاني أكبر جماعة مسلمة، في إنشاء معهد أوسنابروك لا بل أطلقت “ديتيب” برنامج إعداد خاصا بها في ألمانيا العام الماضي. ويفيد بكر أطلس الأمين العام لـ”ميلي غوروس” بأن إعداد رجال الدين “يجب أن يكون بمنأى عن أي تأثير خارجي ولاسيما التأثير السياسي”. إلا أن رئيس معهد الإسلام يؤكد أنّ “لا تأثير للدولة بتاتا وهي لم تتدخل بتاتا في وضع البرامج”. وتبقى مسألة إيجاد عمل أمرا شائكا إذ تبقى الأجور متدنية ورهن تبرعات المؤمنين. وحذر أسنيف بيجيتش “نحن لسنا وكالة توظيف” مهمتها إيجاد عمل للطلاب.
مشاركة :