معايير الجمال ليست بشيء جديد علينا فقد وجدت هذه المعايير منذ القدم واختلفت عبر العقود، التزم كل عصر وكل ثقافة بمعايير محددة تميزوا بها، ونتيجة للعولمة في وقتنا الحالي أصبح معيار الجمال لا يرتبط ببلد أو ثقافة محددة، ولكنه عبارة عن قالب يفرض على الجميع في كل مكان، فأصبحنا نرى وجوها متشابهة في كل مكان، ولكون هذه القوالب والمعايير من الصعب الوصول لها بدون عمليات تجميلية أصبح هنالك انتشار ملحوظ في عيادات التجميل ونرى أن الجميع يتهافت إليها بسبب أو بدون سبب. عمليات التجميل لطالما كانت متوفرة ولكن في وقت ما كانت العمليات التجميلية تعد شيئا مخجلا لا يبوح به أحد، ويفضلون إخفاءه ولعدة عوامل في وقتنا الحالي أصبحت العمليات التجميلية علامة على الراحة المادية والاهتمام وحب الظهور بشكل حسن، ونتيجة لذلك أصبحت فكرة التغيير مألوفة ومقبولة بشكل كبير، المشكلة في ترويج المؤثرين للعيادات التجميلية وللعمليات التجميلية ينبع من كونهم يكتفون بذكر الإيجابيات ويتجاهلون تبعات هذا الأمر في المستقبل، فبعض العمليات تحتاج لعمليات إضافية مستمرة وبعض العمليات لها مخاطر كبيرة على المدى البعيد بالإضافة لكون معايير الجمال متغيرة وليست ثابتة وما يعد "علامة جمال" اليوم قد يتغير غدًا فما موقفنا من كل هذا؟ ما هو التأثير الذي يحمله هذا على المراهقين وحتى الكبار في السن؟ خوارزميات البرامج مثل انستقرام وتيك توك وغيرهما تجبرك على رؤية شكل وقالب محدد يروج له كمثال على الشكل المثالي - غير الواقعي - الذي يرغب به الجميع، فعندما تصل إلى ذلك الشكل سيزيد عدد متابعيك سترغب الشركات بالتعاون معك، ستزيد فرص عملك وغيرها من الأمور، مما يؤدي إلى ترسيخ هذه القوالب والمعايير. في بعض البلدان، على سبيل المثال كوريا الجنوبية يعد من غير القانوني أن تعلن أي عيادة تجميلية سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر (عبر المؤثرين أو آراء المستهلكين) عن عملياتها التجميلية جراحية أو غير جراحية بدون ذكر المخاطر التي من الممكن أن تؤدي لها بشكل كامل وواضح بالإضافة لعدم المبالغة بمدح النتائج، وأعتقد أن هذا الحل الأمثل لإعلانات المؤثرين والمشاهير لهذه الأمور، حتى وإن لم يكن إعلانًا لعيادة محددة وإن كان مجرد حديث عن التجربة، من المهم أن يتم إيصال الصورة بشكل كامل وليس جزئيا، للتأثير الكبير الذي تحمله هذه الرسائل على المتلقي. أخيرًا في وقتنا الحالي أعتقد أن الناس ينظرون للعمليات التجميلية كاستثمار ذاتي لرفع القيمة الذاتية للشخص في حياته الاجتماعية والعملية وحتى في إطار الزواج، مما يدفعنا للتساؤل هل الإقبال الكبير على العمليات التجميلية فعلًا اختيار حر نابع عن رغبة مستقلة؟ هل من يختار أن يمر بتجربة جراحية غير ضرورية فعلًا اختار ذلك؟ أم أن القرار نابع من الصور والأفكار التي ساعدت التطبيقات والاعلانات الرقمية بشكل كبير على ترسيخها؟ وهل هو نتيجة الضغط الذي يعاني منه الأشخاص ورغبةً منهم في تحسين الصورة الذاتية وزيادة الثقة بالنفس عن طريق الارتقاء لمعايير المجتمع للشكل المثالي؟ أختم حديثي بمقولة الفيلسوفة البريطانية Heather Widdows من كتابها "perfect me": "الاختيار لا يجعل الممارسات أو التصرفات الظالمة والاستغلالية، بشكل سحري عادلة وغير استغلالية".
مشاركة :