يشهد العالم أجمع وبالأخص العالم الإسلامي والعربي فى العقود الأخيرة تحولات جذرية ومحورية من شأنها إعادة تشكيل منظومة الاقتصاد كله بشكل مُتسارع، حيث يشهد الاقتصاد العالمى الكلي والجزئي تغييرات كبيرة من شأنها إعادة تنظيم علاقات الدول سياسياً وجغرافياً وعسكرياً، ومن جهة أخرى فإن مفهوم وتعريف كلمة الاقتصاد شهد خلال السنوات الأخيرة تطوراً ونمواً ملحوظاً على المستوى الاجتماعى والشعبي والفردى، إذ لم يصبح الاقتصاد بعلومه ونظرياته حكراً على الصفوة أو المُختصين والعاملين فى مجالات الاقتصاد وفروعه بل أصبح المواطن العادى فى كافة دول العالم ملماً وعارفاً بالمصطلحات الأساسية والمفاهيم الرئيسية للاقتصاد، فأصبح من العادي والدارج أن يترامى إلى أسماعنا يومياً مصطلحات هيكلة الاقتصاد ومعدلات التضخم وأسعار الصرف ومعدلات الفائدة بالإضافة إلى الدعم النقدي والعيني وغيرها من المفاهيم الأساسية لعلم الاقتصاد وإن كان لهذا دلالة فإنه يشير إلى تعاظم دور الاقتصاد فى الحياة اليومية للمواطن العادي. وقد كان للأزمة المالية العالمية فى 2008 تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي والتى لم تكن نتائجها فقط على مستوى الشركات والمؤسسات ولكنها اتجهت إلى العديد من الدول على مستوى العالم وفضحت وكشفت العديد من العورات والأخطاء ما دعا بالعديد من الدول والحكومات إلى اللجوء إما اختياريا أو اضطرارياً إلى عمليات إعادة هيكلة لتصحيح مسارات الاقتصاد ومنها على سبيل المثال اليونان وأسبانيا. وهنا أتساءل عن عملية الإصلاح الاقتصادى ومدى ضروريتها وتوقيتها ومخاطر الإبطاء أو الإسراع فيها، مما لا شك فيه فإن الإصلاح الاقتصادى ضرورة مهمة لكافة الدول على مستوى العالم وأن الدول التي تلجأ للإصلاح الاقتصادي الاختياري تكون أكثر فرصة للنجاح وتحقيق الأهداف المرجوة منه بنسب نجاح عالية وبتكلفة أقل بالإضافة إلى عملها بعيداً عن الضغوط أو الإملاءات الخارجية إضافة إلى تمتعها بميزة التجربة والخطأ وهو ما يتيح تحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف، وعلى العكس فإن الدول التى تجبر على القيام بعمليات الإصلاح الاقتصادي الاضطراري فإنها تكون أكثر عرضة للمخاطر مع احتمالية التحقيق الجزئي أو عدم التحقيق للأهداف المرجوة من عملية الإصلاح بالإضافة إلى تكلفة عمليات التحول الاقتصادي السريع وما له من آثار سلبية على المجتمعات والأفراد. وبالعودة إلى وطننا الكويت فإنني من أكثر الداعمين لعملية الإصلاح الاقتصادي بشكل موسع وبصفة خاصة وإننا بحمد الله لسنا تحت ضغوط أنية ومتعجلة للدخول بشكل متسارع في عملية إصلاح أو علاج هيكلي للاقتصاد الوطني بشكل عاجل، ولكننا نستطيع أن نتحرك نحو عملية إصلاح اقتصادي هادئ ومنضبط وفقا لمعايير حقيقية وواقعية بعيداً عن التسرع أو الهرولة والتي من شأنها أن تكلفنا الكثير. ولكن ما هى مواصفات الإصلاح الاقتصادي كما أرجوه وأتمناه؟ إننى أرجو أن يعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل أساسي على تنويع مصادر الدخل وتقليل نسبة مُساهمة الإيرادات النفطية فى الإيرادات العامة للدولة إضافة إلى ضرورة التوجه إلى عمليات التصنيع للمنتجات البترولية بدلاً من تصدير المواد الخام وإدماج القطاع الخاص بصورة أكبر وأعم فى عجلة الاقتصاد، وأن يقتصر دور الحكومة على توفير الخدمات الرئيسية من تعليم وصحة وأمن ودفاع، وأتمنى كذلك أن يتم ربط سوق العمل الكويتى بمخرجات التعليم، وأن يكون التعليم هو المرحلة الأولى للدخول فى سوق العمل كما أتمنى أن تراجع الحكومة السياسة النقدية بالاعتماد على الدعم النقدي للمواطن بدلاً من الدعم العيني. إنني أرى أن الكويت تمتلك فى المرحلة الحالية مؤهلات كبيرة ومقومات كثيرة يمكن التأسيس عليها لإجراء عملية تحول اقتصادي آمن وسليم بعيداً عن أي مخاطر فى أسواق الصرف أو معدلات النمو والتضخم، كما تستطيع الحكومة بإمكانياتها وخبراتها أن تتعامل مع أي طارىء يقلل من آثار صدمات عمليات التحول الاقتصادي، وعلى الجانب الآخر فإنني متأكد من رغبة المواطن الكويتي في رؤية عملية تقدم حقيقة مستقرة ومنضبطة لاقتصاد بلاده وهو ما يعنى أن الحكومة يجب أن تبدأ بنشر حملة توعية ضخمة توضح من ورائها للمواطنين الهدف المرجو من عملية الإصلاح ومدى تأثيراتها الإيجابية عليه وعلى مستقبل وطنه وأولاده.
مشاركة :