عُمان تعزز وتيرة الإصلاح في قطاع التأمين الصحي مسقط - شكل إقرار الحكومة العمانية تعديلات على قانوني شركات التأمين والتأمين التكافلي، التي تتعلق في مجملها بتنظيم مجال التأمين الصحي باعتباره أحد أبرز المجالات في هذه الصناعة، خطوة مهمة ستدعم نشاطه خلال السنوات المقبلة، والمنسجم مع برنامج الإصلاحات الاقتصادية. وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر من إدخال إصلاحات شاملة لنظام التأمين الصحي من خلال مشروع متكامل يلزم العاملين في القطاع الخاص والوافدين والزائرين بامتلاك تأمين صحي. ويهدف البلد الخليجي، الذي يكافح لتنويع اقتصاده، للتوسع الاقتصادي للأنشطة الحيوية والتي يعد التأمين الصحي أحدها لتطوير مستوى جودة الخدمات الصحية والاستفادة من التجارب العالمية والتقنيات الحديثة والوقوف على الرؤى المستقبلية لهذا القطاع. ولا تراهن مسقط فقط على فتح الأبواب أمام المستثمرين لجعل قطاع التأمين الصحي أكثر تنافسية، بل تريد أيضا دعمه بالكفاءات المحلية ضمن خطط مواجهة تحديات البطالة عبر توطين الوظائف في القطاع الخاص. واعتبر عبدالله بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال الجهة التنظيمية لنشاط قطاع التأمين في سلطنة عمان أن التعديلات الأخيرة ركزت أساسا على تعزيز الجاهزية التنظيمية لمنظومة التأمين الصحي في السلطنة استجابة للأهمية المتزايدة لقطاع التأمين الصحي والنمو المتسارع في حجم السوق خلال الفترة الماضية. ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى السالمي قوله إن “التعديلات الجديدة تقضي بفصل التأمين الصحي ليكون نشاطا مستقلا عن بقية الأنشطة التأمينية، بعد أن كان يندرج تحت نشاط التأمين العام”. وأضاف أن الخطوة “تمثل نقلة نوعية في تنظيم سوق التأمين العُماني كونها تنقل القطاع إلى مرحلة جديدة من التنظيم ومستوى جودة أعلى للخدمات التي يقدمها”. وتوضح الأرقام المتعلقة بنشاط القطاع خلال السنوات الأخيرة تغييرات هيكلية في توزيع أحجام الأقساط التأمينية لأول مرة في السوق العمانية حيث جعلت التأمين الصحي متصدرا لبقية أنواع الخدمات المقدمة في نشاط القطاع بأكمله. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن متوسط النمو السنوي لهذا القطاع الحيوي بلغ خلال السنوات الثماني الماضية ما نسبته 19 في المئة، ما جعله يتصدر قطاعات التأمين الأخرى متجاوزا بذلك تأمين السيارات الذي كان يحتل المقدمة. وتظهر البيانات كذلك أنه استحوذ خلال العام الماضي فقط على حوالي 34 في المئة من إجمالي الأقساط التأمينية البالغة 466 مليون ريال (أكثر من 1.2 مليار دولار). وقال السالمي إن “هذه المعطيات والأهمية المستقبلية المتنامية للقطاع والخصوصية التي يتميز بها عن أفرع التأمين الأخرى تقتضي ضرورة العمل على تعزيز كفاءة شركات التأمين التي تقدم خدمات التأمين الصحي وتنظيمها”. وتسعى مسقط من وراء الخطوة إلى توفير منتجات مبتكرة عبر تطوير الخدمات ودعمها بوسائل التكنولوجيا الحديثة حتى تستجيب لبرنامج الإصلاح الموسع “رؤية 2040”. وكان السالمي قد قال خلال مؤتمر الشرق الأوسط للتأمين الصحي، الذي استضافته العاصمة مسقط في مارس 2020 إنه “في ظل التحول الرقمي الذي أصبح مطلبا ملحا في جميع مناحي الحياة فإننا نريد جعل التأمين الصحي أكثر كفاءة”. ووفق التقديرات يبلغ إجمالي رؤوس أموال 11 شركة تأمين تنشط في البلد، نصفها فقط مدرج في البورصة نحو 656.5 مليون دولار. ومن المرجح أن تكفل التعديلات الأخيرة التي أقرت الخميس قدرة قطاع التأمين الصحي المالية والتنظيمية والبشرية على توفير التمويل اللازم للرعاية الصحية لزبائنها، وضمان الحماية الكافية لحملة وثائق التأمين الصحي. وتستدعي الاستقلالية التي يقتضيها نشاط التأمين الصحي، وطبيعة الخدمات، التي يقدمها باعتباره نشاطا يمس حياة الناس، توفير أنظمة تقنية وتشريعية تتناسب مع هذه الخصائص وتواكب في الوقت ذاته التطورات والمعايير الدولية في تنظيمه. نشاط قطاع التأمين وتظهر البيانات الرسمية أن عدد المشمولين بالتأمين الصحي بنهاية العام الماضي بلغ حوالي 490 ألف شخص أي ما يعادل 10 في المئة من السكان، منهم نسبة كبيرة من الشرائح المستهدفة بالتأمين الإلزامي، الأمر الذي يؤكد حاجة السوق إلى هذا النوع من التأمين والمزيد من التوسع في الاستثمار فيه. وتعول مسقط على صناعة التأمين الصحي في إيجاد فرص استثمارية في قطاع التأمين والخدمات المتعلقة به وفي قطاعات خدمات الصحة التي ستستجيب للطلب على هذه الخدمات من قبل المشمولين بالتأمين الصحي. ويتوقع السالمي أن يستقطب مجال التأمين الصحي استثمارات محلية وعالمية في القطاع الصحي الخاص ستُسهم في النمو الاقتصادي وتوفر خدمات تأمينية وصحية ذات جودة في مختلف محافظات البلاد، إضافة إلى ما سيوفره القطاعان من فرص وظيفية نوعية للشباب. ويحظى القطاع بمكانة تنافسية مميزة بين دول الخليج العربي من حيث الأقساط المكتتبة، لكن عند مقارنته مع الاقتصادات المتطورة فإن هذه الصناعة تعتبر صغيرة. ويعتقد محللون أن محركات نمو القطاع في المستقبل ستكون مرتبطة بالنمو الديموغرافي للسكان سواء كانوا مواطنين أو وافدين، حيث سيكون لهاتين الفئتين تأثير على نشاط هذه السوق. ويتوقع أن تؤدي خطوات مسقط لتنويع الاقتصاد والتقليل من الاعتماد على الطاقة إلى تزايد الأنشطة في القطاعات الأخرى مثل الصناعة والخدمات وبالتالي زيادة الطلب على المنتجات التأمينية. وأظهر التقرير السنوي للهيئة العامة لسوق المال الصادر خلال وقت سابق هذا الشهر مدى تأثر الأقساط التأمينية وتراجعها بنهاية عام 2020 الذي شهد انكماشا في سوق العمل. وبحسب التقرير، فقد تراجعت مساهمة قطاع التأمين خلال العام الماضي بواقع 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد بسبب الإجراءات الاحترازية المنجرة عن الجائحة مقارنة بالعام السابق حينما بلغت مساهمته 486.6 مليون ريال (نحو 1.27 مليار دولار).
مشاركة :