رياح وأوتاد: الدكتور عثمان عبدالملك يفند استجوابات النواب

  • 6/21/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الحل الصحيح هو أن تتخلص الحكومة والنواب معاً من كل المخالفات الدستورية واللائحية في عملهم، والبدء بتفعيل قسمهم القاضي باحترام الدستور وقوانين الدولة، والانطلاق بعدها بكل الأدوات الدستورية السليمة في المحاسبة وحينها يكون لخطاب النواب المستجوبين مصداقية ويحظون بالتأييد. أثارني تصريح د. حسن جوهر الذي طالب فيه باستقالة وزير العدل عبدالله الرومي بسبب طلب الحكومة وموافقة المجلس على تأجيل الاستجوابات المزمع تقديمها لرئيس مجلس الوزراء إلى ما بعد دور الانعقاد الثاني لأنه مخالف للدستور، وتساءلت بدوري: هل كانت استجوابات د. حسن وبعض النواب المؤيدين له موافقة للدستور؟ هذا التصريح أعاد إلى ذاكرتي مقالاً كتبه د. عثمان عبدالملك شرح فيه بعض المبادئ الدستورية المهمة في معرض مناقشته لموضوع الاستجواب المطروح في ذلك الوقت. ود. عثمان لا يشك أحد أنه من أفضل الخبراء الدستوريين الذين أنجبتهم الكويت، والذي لم يتوانَ عن الصدع بالرأي الدستوري بالرغم من الشعبية التي كانت تحظى بها بعض الآراء التي بين الدكتور عثمان مخالفتها للدستور، حيث بدأ بحثه القيم الذي نشر في صحيفة الأنباء بتاريخ 11/ 5/ 1985 بقوله: (إصراراً على التذكير بما ينبغي أن نذكر به وامتثالاً لقوله تعالى، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وتأسياً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الحق والجهر بالعدل... نطلق العنان لهذا القلم ليمس مسألة الاستجواب... ولولا إيماني بأنها مسألة تنتظر أن يتناولها هذا الحوار المجرد من العواطف بحسبانه فرضا يتعين علينا أداؤه، لرددت القلم عن موضوعها الشائك ولصرفته الى موضوع آخر أيسر مدخلاً وأرحب مخرجاً وأقل إثارة لعواطف الجماهير)، وصدق د. عثمان فقول الحق والجهر به فرض وأمانة رضي من رضي أو سخط من سخط. ثم انطلق الدكتور عثمان فى توضيح بعض القواعد الدستورية التي تنظم تقديم الاستجوابات في مجلس الأمة فتحت عنوان "المخالفات الموضوعية للدستور والمبادئ الأصولية" يبين الدكتور أنه (لا يجوز الاستجواب أن يصطدم بصريح نص المادة 115 من الدستور الذي يحظر على عضو مجلس الأمة التدخل في عمل السلطة القضائية). وهذا المبدأ الذي ذكره د. عثمان يذكرنا بالإجراء الصائب الذي قام به المجلس بشطب الاستجواب الذي قدمه النائب حسين القلاف لوزير العدل في 2001، حيث إن سلطة أي شأن من شؤون الدعوى الجزائية تنحسر عن وزير العدل وتقع مباشرة ضمن اختصاص النائب العام بنص المادة (60) من قانون تنظيم القضاء. ثم ينطلق د. عثمان ليشرح أحد المبادئ الدستورية المستقرة وهو (عدم جواز مساءلة الوزارة الجديدة عن أعمال وقعت في ظل وزارة سابقة ومجلس أمة سابق حتى لو كان أعضاؤها كلهم أو بعضهم أعضاء بالوزارة السابقة)، ويجيب د. عثمان عن الحكمة وراء هذا المبدأ الدستوري فيقول: (إن هذا المبدأ يهدف الى توفير نوع من الأمن السياسي للوزير... ولولا هذا المبدأ لانفتح الباب على مصراعيه لمساءلات لا حد لها على أبعد مسافات الماضي وعبر أغوار التاريخ وهو ما يؤدي إلى الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار). وهذا الكلام الجريء من د. عثمان يعتبر من أبلغ الردود على من يريد محاسبة رئيس الوزراء على مخالفات وأمور تمت على يد وزراء سابقين وفي حكومات سابقة. ويضيف د. عثمان (وفضلاً عن ذلك كله، فإن عدم جواز مساءلة الوزير مساءلة سياسية عن أعماله في ظل وزارة سابقة، هو أمر يمكن استخلاصه استخلاصاً موضوعيا من مجمل نصوص الدستور وعلى الأخص المواد 57، 58، 98 وتعليق المذكرة التفسيرية عليها... فالمستفيد من نص المواد 57، 58، 98 من الدستور أن الوزارة الجديدة ليست في حاجة لثقة المجلس فور تشكيلها، وأن الدستور قد استعاض بثقة رئيس الدولة في تشكيل الوزارة عن حصولها على ثقة مجلس الأمة حسب تعبير المذكرة التفسيرية للدستور). إذاً دستورياً ووفق ما كتبه د. عثمان فإن الوزارة الجديدة ليست في حاجة لثقة المجلس فور تشكيلها، وأن الدستور قد استعاض عنها بثقة أمير البلاد، وهذا المبدأ أكدته المحكمة الدستورية في حكمها رقم 10 الصادر في 2011، ولكن للأسف تمت مخالفته بتقديم الأعضاء لاستجواباتهم فور تشكيل الحكومة مما يؤدي إلى مخالفة الحكم الدستوري، وعدم السماح للحكومة بالعمل الى أن تأخذ الثقة من المجلس. ويكمل د. عثمان فيقول: وقد بينت (أي المذكرة) ذلك بكل وضوح وجلاء في تعليقها على المادة 57 منه، إذ تقول: (أوجبت هذه المادة تنحي الوزارة القائمة عن الحكم عند بدء كل فصل تشريعي لمجلس الأمة، والمقصود بالفصل التشريعي الفترة التي تفصل بين انتخابات وأخرى لمجلس الأمة، سواء استكمل خلالها المجلس كل أدوار الانعقاد الأربعة العادية المقررة في الدستور (نظراً لكون مدة المجلس أربع سنوات وفقا للمادة 83)، أو لم يستكملها بسبب حل المجلس قبل أجله الدستوري العادي، وتنحي الوزارة وتشكيل وزارة جديدة- ولو كان أعضاؤها كلهم أو بعضهم أعضاء بالوزارة السابقة- أمر توجبه الأصول البرلمانية التي تذهب في هذا الشأن إلى أبعد من ذلك المدى، إذ تقرر أن الوزارة الجديدة لا يستقر بها المقام– أو لا تعين أصلا تعيينا نهائيا– إلا بعد الحصول على ثقة المجلس النيابي الجديد وهذا أمر منطقي لأن تجديد الانتخاب معناه التعرف على الجديد من رأي الأمة، وهذا الجديد لا يصل إلى الحكومة إلا بإعادة تشكيل الوزارة وفقا لاتجاهات وعناصر المجلس الجديد، ولكن المادة 57 لم تصل في هذا المضمار البرلماني إلى هذا الحد، واكتفت بمجرد إعادة تشكيل الوزارة على النحو الذي يرتئيه أمير البلاد، على أن يكون هذا التعيين نهائيا وغير معلق على إصدار قرار من المجلس بالثقة بالوزارة الجديدة، وأمير البلاد يراعي عند إعادة تشكيل الوزارة في هذه الحالة الأوضاع الجديدة في المجلس النيابي وما قد يقتضيه الصالح العام من تعديل في تشكيل الوزارة أو تغيير في توزيع المناصب الوزارية بين أعضائها. كذلك يتيح هذا النص للأمير فرصة دستورية طبيعية لتجديد ثقته بالوزارة والوزراء إذا ما أدوا رسالتهم في الوزارة على النحو المرضي، أو لإحلال وزير جديد محل من لم يكن من الوزراء السابقين عند حسن ظن الأمير والأمة به، أو لوضع الوزير في منصب وزاري أكثر ملاءمة من منصبه السابق). (انتهى نص المذكرة التفسيرية). ويعلق د. عثمان على هذه الفقرة من المذكرة التفسيرية فيقول: (إن الحكم على أعمال الوزير في الوزارة السابقة هو من إطلاقات أمير البلاد وخاضع للسلطة التقديرية له دون سواه... ومن ثم لا تجوز مساءلته عن تلك الأعمال). وهذا المبدأ تمت مخالفته أيضاً بتقديم الاستجوابات واحداً تلو الآخر حتى بلغت أربعة استجوابات لرئيس الحكومة فور تشكيلها وقبل حتى أن تبدأ بالقسم أو بالعمل تحت ذريعة أن رئيس الوزراء كان وزيراً في حكومات سابقة تم اتهام بعض وزرائها بالفساد. ويواصل د. عثمان فيفرق بين المناقشة في الاستجواب وطلب الاستجواب فيرى (أنه يجوز للعضو المستجوب أن يبدي ما يشاء من أقوال واتهامات وعبارات حتى لو كانت غير لائقة ولا يمكن مؤاخذته عنها ما دامت تعطيه الحصانة البرلمانية المنصوص عليها في المادتين 110 و112 من الدستور (أي أثناء الجلسة)، أما طلب الاستجواب وهو طلب مكتوب فلا يجوز أن يتضمن مثل تلك العبارات، ويجب أن يقتصر على مجرد الموضوعات والوقائع باختصار دون أي مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات، وذلك إعمالاً لنص المادة 134 من اللائحة التي صدرت بالقانون رقم 12 لسنة 1963). ويذهب د. عثمان إلى أبعد من ذلك فيرى أنه إذا تضمن الاستجواب شيئاً من ذلك (صار مخالفاً للقانون وتعين رفضه ووعدم قبوله وجديراً بالاستبعاد). فأين هذا المبدأ الذي شرحه د. عثمان من استجوابات وتعبيرات بعض الأعضاء وتصريحاتهم خارج الجلسة، أي غير محمية بالحصانة؟ فهل كانت لائقة ولم يكن فيها مساس بالكرامة؟ وهناك أيضاً مبدأ معروف لم يتطرق له د. عثمان لأنه بدهي ولم يخطر على أحد مخالفته من قبل، وهو عدم جواز استجواب الحكومة على ممارسة حقوقها في المجلس كالتصويت في انتخابات الرئاسة واللجان والتصويت على مشاريع القوانين المعروضة، وذلك لأن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة كما نصت على ذلك المادة 80 من الدستور، ولهم حق التصويت على جميع قرارات المجلس حتى لو لم تعجبنا عدا التصويت في حالة واحدة فقط وهي التصويت على الثقة في أحد الوزراء أو عدم التعاون مع رئيس الوزراء. وحتى هذا المبدأ الواضح تمت مخالفته أيضاً بتقديم الاستجواب الأول لرئيس مجلس الوزراء الذي كان يسائل الحكومة على تصويتها في الرئاسة واللجان وتهديدها بطرح الثقة في حال عدم موافقتها على مشروعات وقوانين النواب، وكان الأولى بالحكومة الذهاب إلى المحكمة الدستورية لاستجلاء الحكم الدستوري كما بينه د. عثمان ولكنها لم تفعل للأسف. ونعود الآن إلى تصريح الأخ د. حسن جوهر الذي طالب وزير العدل عبدالله الرومي بالاستقالة فنقول لو كان عملكم واستجوابكم موافقاً للدستور وخالياً من العيوب الدستورية والقانونية لكان كلامك وتصريحك صائباً ولأيدناك، ولكنه للأسف كان يغض الطرف عن كل المخالفات الدستورية التي ارتكبتموها ويبررها ويجملها فأصبح خطابك للأخ عبدالله لا محل له الآن، أما الحل الصحيح فهو أن تتخلصوا أنتم والحكومة معاً من كل المخالفات الدستورية واللائحية في عملكم ثم تبدأوا بتفعيل قسمكم القاضي باحترام الدستور وقوانين الدولة وفقاً لجميع المبادئ التي ذكرها د. عثمان وغيرها، وتنطلقوا بعدها بكل الأدوات الدستورية السليمة في المحاسبة وحينها يكون لخطابك مصداقية ويحظى بالتأييد.

مشاركة :