الاستمرار في تقديم استجوابات في غير مواضعها الدستورية واحداً تلو الآخر بقصد ضرب وزير بعينه وإضاعة وقت المجلس في صراعات، الله أعلم ما المقصود منها، هذا أمر يتحمل مسؤولية السكوت عنه الحكومة ومكتب المجلس. أعرض بعض الأعضاء عن الوضع السليم دستورياً عندما قدموا استجواباً تلو الآخر للوزير الحجرف ثم للوزير الشيتان بشأن قانون الاستبدال الذي يحتوي على الربا، ومن أجل تسويق الاستجواب راحوا يصورون أن الذي لا يوافق على طرح الثقة بالوزير موافق على الربا المحرم شرعاً، وبذلك أعرضوا عن مبدأ دستوري مهم، وهو أن القوانين تعدل بقوانين بديلة لا بالاستجوابات، وأن التصويت على القوانين هو الذي يعبر عن إرادة المجلس بشقيه المنتخب والمعين بشأن هذه القوانين. وبعد أن فشلت الاستجوابات وتغير الوزراء كما تغيرت مواقف بعض النواب جرى البحث عن قضية جديدة ذات طابع شعبي يقدم فيها استجواب جديد، لكي يرفع رصيد بعض النواب مع قرب موعد الانتخابات القادمة، ويتم به التخلص من الوزير ذاته حتى إن كان الاستجواب الجديد في غير الموضع الدستوري السليم مثل الاستجوابات السابقة. ووجد هؤلاء ضالتهم فيما سمي "الوثيقة الاقتصادية" لأنه لا شيء يزعج الشعب الكويتي أكثر من المساس بجيب المواطن وفرض الرسوم، فقاموا بإلصاقها بالوزير الحالي رغم أنها طرحت في عهد كل وزراء المالية السابقين، حيث كان اسمها ورقة الإصلاح المالي في عهد أحد الوزراء، وقيل في عهد وزير ثان: "إن الموس على كل الروس"، ثم تغير اسمها إلى "وثيقة الاستدامة الاقتصادية" في عهد وزير آخر، ثم عبرت عنها وزيرة سابقة بضرورة "إعادة هيكلة الرواتب"، وأخيراً تم تحويلها إلى الوزير الحالي. وتماماً مثل الاستجوابات السابقة تم الشحن الشعبي المطلوب لتصوير أن الاستجواب وطرد الوزير هو من أجل الرسوم التي استحدثها وزير المالية الحالي! وحتى تكتمل الإثارة وتُكتسب الشعبية يصرح بعض النواب أنه مؤيد لطرح الثقة لأنه ضد المساس بجيب المواطن، هذا رغم أن موافقة مجلس الوزراء النهائية على ما جاء في الورقة لم تصدر حتى الآن. ولم يع مقدمو طرح الثقة أنه كان يتم إيقاف أوراق أو وثائق مشابهة في جميع الحكومات والمجالس السابقة دون استجواب بسبب اعتراضات وملاحظات من المجلس وبعض الدوائر الشعبية، أما في هذه المرة، فقد تم الاستعجال بتقديم هذا الاستجواب بقصد التخلص من الوزير أو حتى رئيس الوزراء (لأسباب يدور حولها جدل كبير في وسائل الاتصال) رغم الشبهات الدستورية الواضحة الواردة في هذا الاستجواب. ومن هذه الشبهات مثلاً أن الورقة ما زالت معروضة على مجلس الوزراء الذي لم يقرها بصورة نهائية، وبالتالي لم تنفذ حتى الآن، وهذا يلغي دستورياً حق الاستجواب بشأنها لأي من الوزراء، وحتى لو افترضنا أن مجلس الوزراء أقرها وشرعت الوزارات في تنفيذها فالمسؤولية على مجلس الوزراء بأكمله لأنها أصبحت سياسة عامة حسب حكم المحكمة الدستورية. وفي الورقة أيضاً أدوار لجميع الوزراء مثل الصحة والشؤون والنفط والتجارة والتربية والداخلية، وإذا وافقوا عليها ونفذوها فإن كل وزير منهم سيتحمل المسؤولية عن حصته منها في وزارته، فلا تجوز مساءلة وزير معين عن عمل وزير في وزارة أخرى، فمثلاً أسعار المحروقات هي مسؤولية وزير النفط وهي سلعة، وبالتالي لا تحتاج الى تشريع لزيادتها، وعند زيادتها يساءل عنها وزير النفط لا وزير المالية، وذلك إذا رأى الأعضاء عدم ملاءمتها للمواطن وضررها به، ومثلها مسؤولية وزير الصحة عن الضمان الصحي. وفيها بل إن الجزء الأكبر والأهم منها (أي الورقة) ما يحتاج إلى تشريعات يجب أن يقرها مجلس الأمة مثل رسوم الكهرباء والماء والصحة والتعليم والشؤون والداخلية، وذلك وفقاً للقانون 1995/79 الذي قدمناه وأقره مجلس 92 بفضل الله، أي أن الحكومة لن تستطيع زيادة رسوم هذه الوزارات إلا بقانون يوافق عليه مجلس الأمة، فتنتقل المسؤولية عنها إلى مجلس الأمة. في المجالس السابقة كانت مثل هذه الورقة المالية أو الاقتصادية تطرح وتناقش بشكل علمي في اللجنة المالية وفي المناقشة العامة في الجلسات، وفي كل المرات السابقة كان يتم التوصل إلى حلول معقولة وإلى إيقاف كل ما يمس جيب المواطن منها، وقد دعيتُ شخصياً إلى إحدى جلسات اللجنة المالية في المجلس الماضي بصفة وزير سابق، وقدمت ورقة مفصلة بشأن ما سمي وقتها "وثيقة الإصلاح المالي"، وبينت عيوبها وأخطاءها، كما تصدى لها أيضاً بعض الأعضاء، فلم يقرها المجلس، لكنه أقر زيادة معقولة على أسعار الكهرباء والماء على القطاعين التجاري والاستثماري فقط. إذاً فالوضع الدستوري السليم هو تفعيل الحوار بين الحكومة والمجلس ومناقشة أي مقترحات حكومية أو إجراءات تنوي الحكومة تنفيذها لرفضها أو لإصلاحها أو لترشيدها بشكل علمي. ولكن إذا فشلت المناقشات في مجلس الأمة وتمت موافقة مجلس الوزراء على ما سمي الورقة أو الوثيقة، وتم تنفيذ الإجراءات الحكومية الواردة فيها في بعض الوزارات (وهي التي لا تحتاج إلى تشريع) عندها يمكن استجواب الوزير المعني الذي تقع هذه الإجراءات ضمن سلطته الوزارية لأن القاعدة الدستورية تنص على: "حيثما تكون السلطة تكون المسؤولية"، وكل وزير هو المسؤول عن أعمال وزارته. أما الاستمرار في تقديم استجوابات في غير مواضعها الدستورية واحداً تلو الآخر بقصد ضرب وزير بعينه وإضاعة وقت المجلس في صراعات، الله أعلم ما المقصود منها، فهذا أمر يتحمل مسؤولية السكوت عنه الحكومة ومكتب المجلس.
مشاركة :