العالم يتجه اليوم بشكل واضح نحو النظر إلى تبعات ما بعد التأثر بالوباء الخبيث الذي اجتاح اقتصادات دول العالم أجمع. ولما كان لكلِّ أزمة تحديات وفرص في آن واحد، فإنَّ الحصافة في استشراف المستقبل تكمن في البحث، وبمرونة ورشاقة عالية، عن الفرص التي تتوَّلد أو تولَّدت جرّاء الاجتياح الغاشم للوباء. والرابح اليوم هو من يهرع لدراسة الفرص المتاحة والمتوقعة، وتلك التي يمكن ابتكارها في زمنٍ بات التقليديون من صُنّاع القرار يبحثون فقط فيما يمكن إغلاقه أو فتحه من القطاعات القائمة. المستشرفون والعالِمون بأهمية الرشاقة والمرونة في الاستجابة للأزمات يبحثون اليوم في قضية وسؤال واحد، هو: كيف نقتنص الفرص ونكون أفضل ممّا كنّا عليه قبل الوباء؟ التوقعات العالمية اليوم تشير إلى خروجٍ آمنٍ خلال أشهر معدودة من الأزمة، بل إنَّ التوجهات العالمية تقوم على تحييد أثر الوباء، حتى وإن استمر، عبر سياسات لا تؤدي فقط إلى إعادة عج?ة الاقتصادات إلى سابق عهدها، بل والأهم، تُعوض ما سبق من خسائر فائتة، وتتجاوزها إلى عوائد لم تكن في الحسبان. توقعات المؤسسات الدولية اليوم تشير إلى نمو عالمي يتجاوز 6% وهو أعلى معدل للتعافي من الركود على مدى 80 عاماً. وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير منظمة العمل الدولية إلى احتمالية خسارة ما يزيد على 200 مليون شخص لوظائفهم في اقتصادات العالم أجمع مع حلول العام 2022، فقد بدأت معطيات استشراف المستقبل تتجه نحو خلق وظائف من جديد، جلّها في قطاعات التزويد، واللوجستيات، والتطبيقات الذكية، واستخدامات البيانات الكبيرة، وسبل الاتصال الافتراضي العالمي عبر تطبقات التواجد الهلامي، والتواصل الهولوجافيكي Holography. الاقتصادات الأكثر رُشداً وعقلانية، بدأت اليوم تستثمر في هذه القطاعات، وتفتح مجالها وفضاءها الاقتصادي للمستثمرين في هذه القطاعات، أما الاقتصادات التقليدية غير المتصلة مع تطورات العالم، فسيبقى جلَّ اهتمامها فتح وإغلاق القطاعات وساعات العمل والحظر. التوجُّهات العالمية لاقتصاد يخرج من الأزمة أكثر متانة، وصحة، وصلابة، وقدرة على الاستجابة السريعة والتحوُّل، هي تلك التوجهات التي تقوم على البدء فوراً بتغيير القوانين والأنظمة والإجراءات لتكون أكثر انفتاحاً وتشجيعاً على المبادرة والإبداع، والتي تفتح آفاقها لاستثما?ات محلية وخارجية، دون أن تجري وراء مكتسبات الضرائب والجمارك والرسوم، وبيروقراطية القرار.. هي تلك الاقتصادات التي تعلَّمت الدرس من الاقتصاد الافتراضي في أوج التأثر بالوباء.. هي التي حوَّلت عملياتها جميعاً عبر التواصل عن بُعد وعبر شبكة المعلومات، وألقت بالعمل الورقي في أدراج التاريخ والأرشفة.. هي التي تُركِّز على استقطاب اقتصاد الشباب القائم على التقنية، والتطور، والرشاقة في العمل، والمرونة في سرعة الإنجاز والتأقلم. العالم اليوم يتحوَّل بسرعة نحو قطاعات واعدة تقوم أساساً على تكنولوجيا المعلومات، والرقمنة، والبيانات الكبرى، وإنترنت الأشياء، وتقوم على الانتقال إلى المستهلك وليس انتظاره، والقطاعات الواعدة اليوم، والتي يمكن أن ترتكز على الأسس المشار إليها هي: قطاعات الصناعات التكنولوجية، وقطاع الزراعة الحديثة (عالية التقنية التي لا تحتاج إلى الكثير من المياه أو المساحة، وتُزرَع على مدار العام بغض النظر عن المناخ والموقع)، والصناعات الطبية، والصحية، والسياحة الافتراضية، وسياحة الجغرافيا والديموغرافيا غير التقليدية، سياحة ا?تعرُّف إلى المكان والثقافة والتواصل عبر الانتقال من العالم الافتراضي إلى الواقع الجميل للأشياء، وقطاعات الخدمات المالية الرقمية والتكنولوجية، والقطاعات التأمينية الرقمية، واللوجستيات، والتزويد، والاتصال والتواصل والانتقال. اقتصادات استشراف المستقبل ستعمل على هذه القطاعات وتلك الأسس وستنمّيها، وستخرج أفضل ممّا كانت عليه قبل الوباء بأسرع مما نتخيل. أمّا الاقتصادات التقليدية فستبقى تكافح للخروج من الوباء غير آبهة بالفرص التي يمكن قطفها أو الحصول عليها. khwazani@gmail.com الرأي
مشاركة :