لطالما احتل "الآخر" في كتب الرحالة حيزا مكانيا كبيرا، نالت منه المرأة حظا وافرا، فسردوا في نصوصهم وعيها بدورها في المجتمع، قضاياها وأحوالها، وشخصيتها وتكوينها المادي والمعنوي، فسردوا الحكاية التي تلقفها العالم شرقا وغربا. وظف الرحالة ملكتهم الأدبية في وصف المرأة العربية، ولم تتفق أوصافهم، فاختلفوا أحيانا واتفقوا حينا، ربما مرد ذلك نابع من تصورات مسبقة لدى الكاتب، أو تعميم حالة فردية صادفها على المجتمع بأكمله، أو البيئة الثقافية والحضارة التي يعيشها مقارنة بحياة البداوة. و"الاقتصادية" بدورها تسلط الضوء على المرأة العربية في بعض كتب الرحالة، والسعوديات على وجه الخصوص. ابن بطوطة يصف نساء اليمن وإيران تستند كتب الرحالة عادة إلى حديث المؤلف عن الذات، وحديثه أيضا عن البلد الذي سافر إليه وتفاعل معه، ما سمعه ودونه من مشاهدات وأخبار، عادات وطبائع الناس، ثقافاتهم وتقاليدهم، ولقاءات مع الملوك والعلماء وحتى البسطاء، إلا أن المرأة كان لها جانب لا يستهان به من هذه الكتب والإنتاج الغزير. لم يكن وصف المرأة لمجرد الوصف الجسدي، فقد كان الوصف ينطوي بدقته على وصف الحالة الثقافية وواقعها الاجتماعي، مثل وصف ابن بطوطة في رحلته النساء الشيرازيات بأنهن "يلبسن الخفاف، ويخرجن ملتحفات متبرقعات، فلا يظهر منهن شيء"، في وصف لالتزامهن الديني المنسجم مع خلفيته الدينية. ومما ورد أيضا في رحلة ابن بطوطة وصفه نساء زبيد في اليمن، اللاتي لا يمانعن الزواج من الغريب أو الوافد إلى بلادهن، بخلاف النساء في بلده المغرب، إذ يقول "ولنسائها الحسن الفائت... ولهن مع ما ذكرناه من الجمال الفائت الأخلاق الحسنة والمكارم، وللغريب عندهن مزية، ولا يمتنعن من تزوجه، كما يفعله نساء بلادنا، فإذا أراد السفر خرجت معه وودعته، وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له، إلى أن يرجع أبوه، ولا تطالبه في أيام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها، وإذا كان مقيما فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة، لكنهن لا يخرجن عن بلدهن أبدا". حياة عائلية بالغة الجمال أحد أهم الكتب الباحثة في صورة المرأة لدى الرحالة هو كتاب الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي "صورة المرأة في رحلات الغربيين إلى وسط الجزيرة العربية"، الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وتناولت عادات وتقاليد الزواج والطلاق والملابس وغطاء الوجه وحتى مشاركتها رجال القبيلة في الحروب والمعارك. وسواء جاء الرحالة الغربي إلى الجزيرة العربية بدافع سياسي أو تجارة أو بروح المغامرة، كان يطرق بشكل أو بآخر باب المرأة، وخلال القرنين الـ19 والـ20 توثق الدكتورة دلال الحربي ما كتبه 28 مستكشفا، مثل البريطاني وليام بلجريف، والبريطانية جيرترود بيل، والفرنسي تشارلز هوبير، والألماني إدوارد نولده، والفنلندي جورج فالين، وآخرين، منهم من شعر بالدهشة من الواقع، ومنهم من كتب مسيئا. الرحالة البولندي فاتسواف جفوسكي سجل إعجابه بنمط حياة الأسرة النجدية، حين قارنها بنمط الحياة الغربية، فدون تعليقه "الحياة العائلية التي هي أكثر جمالا بكثير من أي حياة عائلية أخرى في الجزيرة العربية هي حياة البدو، فالفقر يفرض عليهم الاكتفاء بزوجة واحدة، والطلاق أقل شيوعا، وكثيرا ما توجد حياة عائلية بالغة الجمال، فهؤلاء الأعضاء المختلفون في مثل هذه العائلة والطريقة التي تتم بها العناية بالمسنين والضعفاء من الجيل السابق، من دون أسئلة أو شكوى"، وفي موضع آخر كتب "لا تخبو البهجة والرضا، وإن حلت مصيبة أو إزعاج عرضي على حياتهم، فالسرور هو الغالب على حياتهم". بطلات .. وبارعات الإيطالي كارلو جوارماني وصف النسوة اللاتي يستقبلن الجرحى أثناء المعارك بين القبائل بأنهن "بطلات"، فصراخهن الممزوج بالفرح يستنهض همم الجرحى للعودة إلى ساحة المعركة، ولم يخف تشارلز داوتي، الرحالة البريطاني المعروف، دهشته من مهارة النجديات في الحياكة والخياطة، أكد أن نساء حائل برعن في استخدام الإبرة في تطريز العباءات الرجالية التي تستورد من الجوف وبغداد، كما عد ممارسة نساء بريدة التجارة تحضرا، واصفا بأن "دمشق ذاتها ليست على درجة تحضر بريدة". وتذكر الدراسة أن الرحالة كتبوا أن رجال القبائل وشيوخ وحكام المناطق كانوا يلقون عليهم عروض الزواج، إذا ما اختاروا العيش في وسط الجزيرة العربية واعتنقوا الإسلام، لكن الباحثة لا تعرف مدى جدية هذه العروض من عدمها، فيما تروي الوقائع التاريخية أن بعضا من الرحالة أسلموا وتزوجوا هنا، حتى إن منهم من شارك في معارك التأسيس تحت راية الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، مثل المستكشف الشاب وليام هنري الملقب بـ"شكسبير العرب"، الذي توفي في معركة "جراب". لبيبة حسنة التربية المؤرخ الدكتور علي عفيفي علي غازي نشر كتابا، يضعنا أيضا على ما كتبه الرحالة عن المرأة، تحت عنوان "رؤية الرحالة للمرأة البدوية في العراق والجزيرة العربية"، ويستقرئ ما كتبه الرحالة عبر أربعة قرون، بين القرن الـ16 والقرن الـ20، ويقسم ما قاله الرحالة من وصف للمرأة إلى وصف لدورها وأعمالها، وحتى طقوس الزواج والولادة. ويكاد يجمع الرحالة على جمال المرأة البدوية، التي تتميز بجمال عينيها، وقد أحيطتا بالكحل الأسود، فعلى سبيل المثال يرى كارلو كلاوديو جوارماني المستكشف الإيطالي في كتابه "رحلة من القدس إلى عنيزة في القصيم"، أن المرأة البدوية سمراء البشرة، عيونها حوراء لوزية، فكتب "تفيض بالنار التي تقدح من أحداقهن السود، أما أيديهن وأقدامهن ففيها ما يلهب غيرة أكثر حسان باريس أناقة، وقدودهن هيفاء". أما الليدي آن بلنت، المستكشفة الإنجليزية وأول سيدة أوروبية تقوم بهذه الرحلة إلى الجزيرة العربية، فوصفت في كتابها "رحلة إلى نجد" بنت الجزيرة العربية بأنها "لبيبة حسنة التربية.. وجهها جذاب"، فيما وصفها لوي جاك روسو الدبلوماسي الفرنسي في كتابه "رحلة إلى الجزيرة العربية" 1808 بأنها "طويلة القامة، مهيبة القوام، رائعة الشعر، المكون من جدائل تنحدر بلا مبالاة على كتفيها لتصل إلى وسطها، أما ملامحها العامة فتبدو جميلة رغم أنها نصف مغطاة بنقابها". تسهر على إدامة النار مشتعلة ماكس فون أوبنهايم الرحالة وعالم الآثار الألماني ذكر في كتابه "رحلة إلى ديار شمر وبلاد شمال الجزيرة" أن المرأة تطلع بدور كبير في البادية، إذ تستشار حتى في القضايا المهمة، ويقع على عاتقها عدد من الأعمال اليومية، إلى جانب العناية بالأطفال والطبخ، وتسهر على إدامة النار مشتعلة، وتطحن الحبوب لصنع الخبز، وتعتني بالحيوانات الصغيرة كالغنم والماعز، وهذا ما اتفق عليه أكثر من رحالة. وعودة إلى لوي جاك روسو، فهو يصف البدويات بأنهن نشيطات جدا، وواجبات النساء ومسؤولياتهن هي أكبر، لا بل أثقل مما يقع على عاتق الرجال، وهو ما تؤكده آن بلنت الإنجليزية، فقالت "إن نساء البدو نشيطات في تأدية كل الأعمال". ورصد الرحالة، وفقا لدراسة الدكتور علي عفيفي حول المرأة البدوية، سعادتها بحياتها ورضاها عن دورها في مجتمعها، وقناعتها بمعيشتها، وحبها لكل ما يحيط بها، وعدم رغبتها في ترك ديارها ومغادرتها، ولو إلى حياة قد تفوقها راحة، ويكفي أن نذكر مثلا لموقف ذكره أوبنهايم بأن زوجة أحد شيوخ الجزيرة العربية رفضت أن تتحمل معرة النوم حتى في خيمة بيضاء من الخيام التي يستعملها أهل المدن، وأمرت أميرة مصرية في عهد الخديوي عباس الأول بنصب خيمة لها فوق سطح القصر الذي تعيش فيه.
مشاركة :