الصراع الدائر في إيران بين المحافظين والإصلاحيين، يكشف عن وجه آخر للصراعات الداخلية في الدول الإسلامية والعربية ما بين قوتين سياسيتين واجتماعيتين، إحداهما تنادي بضرورة التحديث والإصلاح والتطور، وأخرى تتمسك بالمحافظة على ما تسميه بالثوابت الدينية. أي صراع هذا؟ هذا الصراع ليس وقفاً على إيران وحدها. ولو حاولنا تسمية الأشياء بأسمائها وبشجاعة، فإننا سنعترف بأن هناك قوى اجتماعية تحاول دائماً إبقاء الأمور على حالها، ولا يهم التسمية التي تطلقها على نفسها أو تطلقها عليها القوى المعارضة لها، فالأمر في الحالتين سيان، وفي كل الأحوال واحد. إنها - أي هذه القوى- تعارض أي تغيير بدعوى أن هذا التغيير سينال من ثوابتنا وأنه سيهدد هويتنا بالتشويه. في المملكة خبرنا من قبل هذا النوع من معارضة التحديث والذي يستعير لافتته من الإسلامية، ولكن بطريقة فجة، إذ ما أن سمحت النظم الرسمية بتعليم المرأة حتى ارتفعت هذه الأصوات معارضة هذا الأمر. يومها قال الملك فيصل - طيب الله ثراه - للمعارضين، نحن لم نجد في الإسلام ما يمنع تعليم الفتيات، ومن كان له رأي معارض فعليه ألا يدفع بناته إلى المدارس، فهذا أمر اختياري لا نستطيع أن نجبر الناس عليه. وهكذا استطاع أن يحل المشكلة ليضعها في حجمها الطبيعي، فهو من ناحية لا يفرض التعليم على من لا يرغب فيه، وهو أيضاً لم يترك هذا الخيار- أي خيار تعليم الفتيات- في أيدي من يعارضونه ولا يؤمنون بضرورته. إيران نشأت ثورتها التي تمخضت عن قيام حكومة دينية، في أحضان المراجع الدينية في إيران، وتحديداً في حضن آية الله الخميني. والشاهد الآن أن جميع القوى السياسية والاجتماعية التي تعارض نظام الشاه يومها، وقفت إلى جانب السلطة الروحية التي كان يتمتع بها الخميني. لم يكن الأمر يخلو من انتهازية سياسية من هذه الأحزاب المعارضة، الشيوعي منها والقومي بل حتى الديني، حين انتظمت تحت راية الخميني الذي كان يدعو وبهدوء مخيف إلى إسقاط الشاه ونظام حكمه الشاهنشاهي. لم يكن الخميني ساذجاً- وان حسبته الانتجلنسيا الليبرالية المعارضة للشاه كذلك-، فقد كان على دراية بأجندتها السرية غير المعلنة في تضامنها معه. وبالفعل، وما أن أزيح النظام الشاهنشاهي بثورة شعبية عارمة، حتى بدأ الخميني بعملية تصفية منهجية لحلفائه، وكان أن انتحرت كل القوى الليبرالية والقومية التي تحالفت مع الخميني ضد الشاه بسبب سوء تقدير الحسابات السياسية الآجلة والمستقبلية، ولم تُنحر بيديه رغم أنه هو الذي أصدر أحكام نحرها. لقد انتحرت تلكم القوى السياسية والاجتماعية المعارضة للشاه يوم أن اختارت التحالف مع الخميني ضد عدوها السياسي، لأنها تغافلت عن أجندة الخميني السياسية والتي لم تك بخافية عليها، ولم يقم هو من جانبه بإخفائها. ففكر الحميني السياسي كان واضحاً. فهو فكر ينادي بلا مواربة بولاية الفقيه. وما كان يدعو له، ويعمل على ترسيخه هو دولة دينية، لا يكتفي فيها رجل الدين بأداء دوره الديني وحسب، بل وأن يدير دفة الحكم السياسي من وجهة نظره، ولكن باسم الدين !
مشاركة :