مع مرور الوقت يمكن أن تعمل اتفاقية قيود استخدام الأسلحة النووية والأنظمة المُصممة لإطلاقها، بين الولايات المتحدة وروسيا كنموذج يمكن أن تنضم إليه الصين وأوروبا ودول أخرى، وإذا تم تمديد الاتفاقية لتشمل الصين فيمكن تضمين حظر سرقة الملكية الفكرية. خلال الحرب الباردة، كانت اجتماعات القمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بشكل عام تُهيمن عليها اتفاقيات ترمي إلى وضع قيود على استخدام الأسلحة النووية والأنظمة المُصممة لإطلاقها، ولا تزال الولايات المتحدة وروسيا تناقشان هذه القضايا، ولكن في اجتماعهما الأخير الذي انعقد في جنيف، ركز الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل كبير على كيفية تنظيم السلوك في مجال مختلف: الفضاء الإلكتروني، إذ تُعد الرهانات كبيرة بالقدر نفسه. ليس من الصعب معرفة السبب، حيث يُعد الفضاء الإلكتروني والإنترنت عاملين أساسيين لعمل الاقتصادات الحديثة والمجتمعات والأنظمة السياسية والعسكرية وأي شيء آخر تقريبا، وهو الأمر الذي يجعل البنية التحتية الرقمية هدفا مغريا لأولئك الذين يسعون إلى إحداث مشاكل وأضرار غير عادية بأقل تكلفة. علاوة على ذلك، يمكن للدول والجهات الفاعلة غير الحكومية تنفيذ هجمات إلكترونية بدرجة عالية من الإنكار، مما يزيد إغراء تطوير واستخدام هذه المهارات، فنحن نعلم متى ومن أين يتم إطلاق الصاروخ، ولكن قد يستغرق الأمر وقتا طويلاً لاكتشاف وقوع هجوم إلكتروني، وقد يستغرق الأمر وقتا أطول لمعرفة من هو الجاني، ومن شأن عملية تحديد المصدر البطيئة وغير المؤكدة هذه أن تجعل التهديد بالانتقام بعيد المنال، حيث يُعد جوهر استراتيجية الردع. من المؤكد أن ما وضع هذه القضية بشكل مباشر على جدول أعمال اجتماع بايدن وبوتين هو أن روسيا أصبحت عدوانية بشكل متزايد في الفضاء الإلكتروني، سواء من خلال إنشاء حسابات مزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي للتأثير على السياسة الأميركية أو عن طريق الوصول إلى البنية التحتية الحيوية، مثل محطات الطاقة. إن تعزيز أهمية القضية يتلخص في حقيقة مفادها أن روسيا ليست وحدها: تُفيد التقارير بأن الصين تمكنت في عام 2015 من الوصول إلى 22 مليون ملف من ملفات موظفي الحكومة الأميركية، والتي تتضمن معلومات يمكن أن تساعد في تحديد من كان يعمل لمصلحة مجتمع الاستخبارات الأميركية. وعلى نحو مماثل، هاجمت كوريا الشمالية شركة سوني (واخترقت جميع أنواع الاتصالات الخاصة) في محاولة لمنع توزيع فيلم ساخر يُصور عملية اغتيال زعيم البلاد، وكل هذا يُشير إلى صعود الغرب المتوحش الحديث، حيث يعمل العديد من الأشخاص المسلحين في فضاء تحكمه قوانين محدودة. تقليديا، فضلت الولايات المتحدة الإنترنت غير المنظم إلى حد كبير- باعتباره "مفتوحا وقابلاً للتشغيل المتبادل وآمنا وموثوقا"، وفقا لسياسة تم وضعها قبل عقد من الزمن- من أجل تعزيز التدفق الحر للأفكار والمعلومات، لكن حماس الولايات المتحدة لهذا النوع من الإنترنت تضاءل مع استغلال الخصوم لهذا الانفتاح لتقويض ديموقراطيتها وسرقة الملكية الفكرية المهمة للأداء والميزة النسبية للاقتصاد الأميركي. السؤال المطروح الآن- والذي يُعد طرحه أسهل من الإجابة عنه- هو أين يتعين رسم الخطوط وكيف نجعل الآخرين يقبلونها؟ من ناحية أخرى، لا تخلو الولايات المتحدة من التناقضات، حيث إنها تنفذ أيضا عمليات التجسس في الفضاء الإلكتروني (فكر في الأمر على أنه المكافئ الحديث لاستخدام البخار لفتح المغلفات وقراءة بريد الآخرين) ويقال إنها قامت، إلى جانب إسرائيل، بتثبيت برامج خبيثة لتخريب برنامج الأسلحة النووية الإيراني، لذلك، من المفترض أن يكون أي حظر على الأنشطة في الفضاء الإلكتروني جزئيا. تتمثل إحدى الأفكار الواعدة في متابعة مناقشات بايدن وبوتين، والتي تشمل على وجه التحديد حظر استهداف البنية الأساسية الحيوية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، السدود ومرافق إنتاج النفط والغاز والشبكات الكهربائية ومرافق الرعاية الصحية ومحطات الطاقة النووية والقيادة وأنظمة التحكم في الأسلحة النووية والمطارات والمصانع الكبرى. يمكن أن تصبح القدرات الإلكترونية سلاحا للدمار الشامل عندما يتم اختراق مثل هذه المواقع المهمة. حتى مع عقد مثل هذه الاتفاقية، قد يكون التحقق من الالتزام مستحيلا، لذلك قد ترغب الولايات المتحدة أيضا في تقديم درجة من الردع لضمان احترام المشاركين في مثل هذا الالتزام لها، ويمكن أن تتضمن سياسة الردع استعدادا علنيا لتنفيذ ردود متماثلة: إذا قمت باستهداف أو مهاجمة بنيتنا التحتية الحيوية، فسنفعل الشيء نفسه مع بنيتك التحتية، وقد تكون سياسة الردع أيضا غير متماثلة: إذا استهدفت منشآتنا أو هاجمتها، فسنعاقبك أو نستهدف مصالحك في أماكن أخرى. سيحتاج أي اتفاق من هذا القبيل أيضا إلى الدعم من خلال اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، نظرا إلى المخاطر وحقيقة انتهاك الاتفاقيات الأخرى (مثل تعهد الصين لعام 2015 بعدم سرقة الملكية الفكرية). على سبيل المثال، قد ترغب الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات للحد من ضعف أنظمتها العالية القيمة. سيكون من الضروري أيضا الإعلان أو التفاوض على عدم قبول المزاعم بجهل الحكومة أو إنكار تورطها في نشاط إلكتروني عدواني، كما حدث عندما قال بوتين إن حكومته لا علاقة لها بهجمات برامج الفدية الروسية، والقياس هنا هو الإرهاب: ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، أوضحت الولايات المتحدة أنها لن تميز بين الجماعات الإرهابية أو الحكومات التي قدمت لها الدعم أو الملاذ، لذلك ستتحمل روسيا المسؤولية عن أعمال الجماعات التي تعمل انطلاقا من أراضيها، ويجب أن يزيد الإصرار على المساءلة من حافز روسيا لكبح جماح مثل هذا السلوك. ومع مرور الوقت، يمكن أن تعمل الاتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا كنموذج يمكن أن تنضم إليه الصين وأوروبا ودول أخرى، وإذا تم تمديد الاتفاقية لتشمل الصين، فيمكن تضمين حظر سرقة الملكية الفكرية (وعقوبات انتهاك الحظر)، ولا شيء من هذا يعني نزع السلاح، لكنه المُعادل الإلكتروني للحد من برامج التسلح النووي، وهو مكان جيد للبدء مثل أي مكان آخر. * ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب «العالم: مقدمة موجزة». «بروجيكت سنديكيت، 2021» بالاتفاق مع «الجريدة»
مشاركة :