نعم «بمجرد تعميدك تركب شاحنة وتغادر المستعمرة ولا تراها مرة أخرى أبدا، تتجه إلى العالم الخارجي الشرير حيث وظيفتك الأولى جاهزة» هكذا تدفعكم الكنيسة! «مبشرون عاملون.. يتلقون أجورهم نقدا، أعمال مؤقتة بلا تعاقد يمكنها الاستمرار سنوات..» أنت تعمل كآلة، مسخر لعقيدة عمياء، عبادتك الوحيدة أن تتلقى الأوامر، وتعمل، محرم عليك التفكير، «السبيل الوحيد للنجاة بالروح هو العمل حتى الموت مقابل لا شيء سوى غرفة وسرير» كل هذا من أجل «بناء جنة الكريدش رويدا رويدا والاستيلاء على العالم بقعة بعد بقعة»! لكن فجأة؛ ودون إنذار، ودون أن تعطيك الكنسية دليلا للحياة تعلن الخلاص، وتخلف الآلاف منك «من الكريدش المتناثرين في أنحاء البلاد» وبما أنه لا دليل، وخارطة للنجاة، تقرر النسخ الأخرى الخلاص» وهكذا «بعد مرور أسبوع كان هناك ستمئة» منكم «وبعد عام أصبح هناك أربعمئة» تتدخل الحكومة تريد أن توقف الأوراق من هذا الانتحار المتسلسل، تبعث الكثير من المختصين كي يأخذوا بأيديكم للنجاة» لكنهم أمام هذا السقوط نحو الهاوية» لا يستطيعون إلا اليأس وأخذ مكانهم في طابور الانتظار، لملاقاة ذات المصير! «عشر سنوات من العلاج النفسي» وأنت أنت، لقد «كنت مدربا طوال حياتك على الطاعة» يا عزيزي، كنت تنظف، تربي السمك كنوع من التعويض عن حاجتك للأسرة، لتكتشف في النهاية أنك «على وشك أن تصبح الناجي الأخير» لتصبح نجما فجأة، تنتقل من الظل إلى الضوء الساطع، القداسة الآن بقدر تعرضك للضوء، الآن «أكبر عامل يجعل منك قديسا هو قدر التغطية الإعلامية التي تحظى بها»، لكن حتى في هذه أنت مجرد آلة أيضا لأن «سر الشهرة أن تقول نعم لكل شيء» كثيرة هي الأماني العاثرة، لكن يا لها من خيبة عظيمة أن تتهاوى الأمنية الكبرى «من الرغبة في الموت كأي شجرة تسقط في الغابة دون أن يراها أحد.. إلى الإرغام على الموت تحت كل الأضواء المسلطة!» ... يقدم لنا «تشاك بالانيك» في روايته الثانية حكاية مليئة بالتفاصيل المثيرة والمدهشة والساخرة، عن «تندر برانسن» الناجي الأخير من طائفة الموت الكريدشية، الذي يحكي قصة حياته الحافلة للصندوق الأسود على متن الرحلة 2039 على ارتفاع 39 ألف قدم في مكان ما فوق المحيط الهادئ، إنه وحيد الآن على متن الطائرة التي تبقت لها ساعات قليلة قبل أن ينفد منها الوقود تماما وتسقط في الصحراء الأسترالية الواسعة، لكن قبل أن يحدث هذا سوف يروي «تندر» لنا تفاصيل رحلة تحوله من الطفل الكريدشي المطيع، والخادم المتواضع الذي كانه، إلى الزعيم الديني العالمي الملهم صاحب السيرة الذاتية والكتب الأكثر مبيعا، ويرينا لمحة من الجنون الذي يسود عالمنا المعاصر». ... صدرت رواية «الناجي الأخير» بالعربية مؤخرا عن دار التنوير ومنشورات الرمل، للمترجم هشام فهمي، في 335 صفحة من القطع المتوسط، تبدأ الرواية بالفصل رقم (47) وتنتهي بالفصل رقم (1)، حمل الغلاف صورة لجدارية رسمها الفنان المجهول «بانكسي»، حيث يرى المترجم أنها تعبر عن روح الرواية كثيرا. ... هذه الرواية لا تترك القارئ يعيش في وئام، لأنها تسلط الضوء على مدى هشاشة الإنسان، وانقياده التافه نحو حتفه.
مشاركة :