الخرطوم - انتقلت السلطة الانتقالية في السودان من التحذير من فوضى وحرب أهلية إلى حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات من أنصار الرئيس السوداني المعزول عمر البشير والمسجون على ذمة تحقيقات ومحاكمات بتهم تتعلق بالإرهاب والفساد المالي والسياسي. وتتهم السلطات السودانية أنصار البشير بالتآمر للقيام بعمليات تخريب وذلك في الوقت الذي خرج فيه شبان إلى شوارع العاصمة في احتجاجات منفصلة "مؤيدة للديمقراطية". وسبق أن تحدثت الحكومة السودانية عن مخطط تخريبي تقوده بقايا الإخوان من أنصار البشير، حيث انكفأت الجماعة لما تسميها الحاضنة الاجتماعية معلنة التركيز على العمل الدعوي والخيري بينما يقول متابعون لشأن الجماعات الإسلامية إنه تكتيك لتجنب المواجهة مع السلطة وفي نفس الوقت تعزيز حضورها في النسيج المجتمعي واستقطاب المزيد من المناصرين تحضيرا لتحريك الشارع ضد السلطة الانتقالية التي سبق لإخوان السودان أن اتهموها بالفساد والقمع. وقال مسؤولون إن الشرطة اعتقلت ما لا يقل عن 200 عضو بحزب المؤتمر الوطني في الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، الذي يوافق الذكرى 32 للانقلاب الذي أتى بزعيم الحزب السابق الرئيس المعزول عمر البشير، إلى السلطة. ويحاكم البشير في قضية تتعلق بانتهاك الدستور من خلال انقلاب العام 1989 الذي دعمه الإسلاميون وشكلوا حكومة إنقاذ دعمت البشير لقيادة السودان حينها. وأُطيح بالبشير نفسه في عام 2019 وحلت محله حكومة انتقالية تضم عسكريين ومدنيين، وعدت بإجراء انتخابات، واتهمت أنصار حزب المؤتمر الوطني مرارا بالسعي لتقويض عملها وتخريب البلاد. وقال صلاح مناع عضو لجنة إزالة التمكين وهي اللجنة الرسمية المسؤولة عن تفكيك بقايا شبكات البشير السياسية والاقتصادية، إن تلك كانت مجموعات من حزب المؤتمر الوطني تجهز لتنفيذ عمليات تخريب. وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قد حذر هذا الشهر من فوضى محتملة وحرب أهلية يذكيها النظام السابق. وفيما يسلط الضوء على الضغوط المزدوجة التي تواجهها الحكومة الانتقالية، خرجت مسيرات مؤيدة للديمقراطية في العاصمة الخرطوم وفي أم درمان على الضفة الأخرى من النيل، إحياء لذكرى سنوية أخرى. وقبل نحو عامين، دفعت احتجاجات حاشدة اندلعت في أنحاء البلاد القادة العسكريين الذين أطاحوا بالبشير إلى بدء التفاوض مع المدنيين، فيما انتهى إلى ترتيب تقاسم السلطة الحالي. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين هتفوا بشعارات مناهضة للبشير ومؤيدة للديمقراطية وكذلك على حوالي 150 من أنصار حزب المؤتمر الوطني الذين كانوا يحتجون على الحكومة الانتقالية في وسط الخرطوم. وسعت الحكومة الانتقالية الجديدة إلى الحفاظ على وحدة البلاد وإعادة بناء العلاقات مع الغرب منذ رحيل البشير. وقال صندوق النقد الدولي أمس الثلاثاء إن السودان بات مؤهلا للبدء في السعي للحصول على تخفيف لديونه البالغة حوالي 56 مليار دولار. غير أن الكثير من المشكلات الاقتصادية التي أججت الغضب الشعبي من حكم البشير لا تزال قائمة. وقالت لجنة إزالة التمكين إن السلطات رصدت تحركات مالية كبيرة مرتبطة بالمؤامرة المفترضة، واعتقلت في الآونة الأخيرة عشرات من تجار العملة غير القانونيين للاشتباه في عملهم على تخريب الاقتصاد. ولم يصدر تعليق فوري من أي من المعتقلين أو من محاميهم. وحظرت السلطات حزب المؤتمر الوطني في 2019. الخرطوم - بدأ إخوان السودان يحشدون لتعزيز العمل الدعوي والخيري من خلال الدعوة للعودة للمحاضن على أمل استعادة قوة التأثير في الشارع وفي المجتمع السوداني، بعد أن تفكك مشروعهم على اثر عزل الجيش للرئيس عمر البشير في ابريل/نيسان في 2019. ويأتي تحرك إسلاميي السودان على وقع احتجاجات شعبية مطلبية تعتبر بالنسبة للإخوان أفضل فرصة للتسلل مجددا للشارع السوداني ولنسيجه المجتمعي. وقالت الحركة الإسلامية التي تعد المرجعية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد الرئيس المعزول والتي تعرض الكثير من قادتها للاعتقال في الفترة الأخيرة الثلاثاء، إنها تعود إلى محاضنها في المجتمع، داعية كوادرها إلى "النهوض لنصرة الحق وقهر الباطل". وجاء ذلك في رسالة صوتية بعث بها علي أحمد كرتي الأمين العام المكلف للحركة وبثت عبر المنصات الاجتماعية "فلتنهضوا لنصرة الحق وقهر الباطل وإصلاح حال البلاد وأهلها ولتتسابقوا في طريق الخيرات وتتحد صفوفكم وتجتمع إرادتكم وتتحرك كوامن قوتكم لاقتلاع الباطل دونما تردد". وتابع "فلتتكاتف سواعدكم وتجعلوا آياديكم في خدمة المجتمع وصيانة كرامته وسد حاجته ونجدة ملهوفه مع المحافظة على إرثه الطيب. أنتم شهود على اصطفاف الحق وأهله وتراكم الخبيث وأهله رغم ما تتعرض له الحركة من كيد وتهديد ومطاردة واعتقال لإخوة كرماء وقادة شرفاء فك الله أسرهم وفرج كربتهم". وقال أيضا "ها هي تعود عبركم (الحركة الإسلامية) إلى محاضنها في المجتمع ومواقفها للمدافعة عن الحق وأهله وصمودها في وجه" من سماهم "أعداء الله والوطن والعملاء والمأجورين" الذين "يسوقون البلاد كل يوم من فشل إلى فشل ولا يأبهون بعيش المواطن بل يعبرون به من حالة الكفاف إلى حالة العوز والمهانة". ووفق مراقبين، فإن رسالة كرتي تُعد بمثابة خطوة للوراء من الحركة الإسلامية وهي دعوة لكوادر الحركة إلى التخلي عن تصدر الواجهة السياسية الذي تواصل لعقود في عهد البشير (1989 ـ 2019) والعودة لتكثيف العمل الدعوي والخيري في المجتمع عوضا عن ذلك. واعتبر هؤلاء أن تلك الخطوة تأتي خيارا استراتيجيا لمواجهة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها مثل الاعتقالات في صفوف قيادتها وللحفاظ على حيويتها في بنية المجتمع السوداني. لكن في المقابل فإن الدعوة إلى العودة إلى المحاضن تعني عمليا مسعى لإعادة التغلغل في النسيج المجتمعي ومنه العودة إلى بسط النفوذ والاحتكام للشارع. وجاءت كلمة كرتي تحريضية عزف فيها على وتر الاضطرابات الاجتماعية ليغازل المحتجين وليحث أنصار الحركة الإسلامية على التحرك واستعادة السيطرة على الشارع في مواجهة السلطة الانتقالية. وقال "عمدوا إلى تخريب الاقتصاد وتشريد العمالة وتمزيق المجتمع وتدمير التعليم وتخريب مرافق الصحة بعد أن استهدفوا عقيدة الأمة وأخلاقها". وحاول كرتي رسم صورة قاتمة للوضع في السودان وكأنه كان أفضل حال في عهد الرئيس السابق المحتجز على ذمة قضايا فساد مالي وسياسي وقضايا تتعلق بدعم الإرهاب. وفي بيانات إعلامية سابقة وجهت الحركة الإسلامية اتهامات للحكومة الانتقالية الحالية بالسودان، بأنها تضم "عناصر علمانية تنفذ أجندة خارجية". ودعت إلى ضرورة اقتلاع النظام الحالي خاصة بعد التطبيع مع إسرائيل والتضييق على التيارات الإسلامية في البلاد. وتأتي كلمة كرتي بينما تظاهر المئات بالعاصمة الخرطوم وعدة ولايات الثلاثاء، لليوم الخامس على التوالي احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية. وأفاد شهود بأن مئات المتظاهرين خرجوا في شوارع الخرطوم ومدن بورتسودان والقضارف (شرق) والضعين (غرب)، استجابة لدعوات من عدة جهات بينها "لجان المقاومة". وتكونت "لجان المقاومة" في المدن والقرى السودانية عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 وكان لها الدور الأكبر في إدارة التظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزل الرئيس عمر البشير. وأوضح الشهود أن المتظاهرين رددوا شعارات مناوئة للحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك بسبب ما اعتبروه فشلا في توفير متطلبات الحياة الضرورية. ومن بين تلك الهتافات "تسقط تسقط يا حمدوك". وأفاد الشهود بإغلاق متظاهرين عددا من شوارع بالخرطوم عبر المتاريس وإشعال إطارات السيارات. كما شوهدت قوات من الجيش وهي تغلق الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية إلى محيط القيادة العامة في الخرطوم بناقلات الجند والحواجز الأسمنتية الكبيرة. ويعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية) إلى أرقام قياسية في ظل شح في السيولة والنقد الأجنبي.
مشاركة :