ذهبت جائزة نوبل للسلام لعام 2015 للجنة الرباعية للحوار الوطني، وهي مجموعة تتكون من أربع منظمات، يجسّد تضامنها مع بعضها إصرار تونس على الانتقال بخطى ثابتة الى الديمقراطية. بدأت اللجنة الرباعية، التي تتألف من الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والحرف والصناعات اليدوية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابة المحامين التونسيين، بدأت نشاطها عام 2011 عندما أصبحت وسيطاً بين مختلف القوى السياسية التونسية، وظلت تدفع بلا هوادة من أجل حل وسط للمشكلة السياسية في البلاد. ومن دون تلك الجهود كان يمكن أن تكون القيادة السياسية في تونس أكثر شراسة في تمسّكها بالحكم بدلاً من كونها متعاونة، وكان يمكن أن تعرقل التحول الديمقراطي. وفي هذا السياق، تمثل هذه الجائزة إنجازاً رائعاً في تاريخ هذه الأمة التي انتفضت قبل خمس سنوات لتطيح بنظام ظالم وقمعي. ومنذ ذلك الحين استطاع التونسيون ممارسة ضبط النفس بشكل ملحوظ خلال نضالهم للتغلب على تركة من الاستبداد وتنامي التهديدات من القوى المتطرفة الجديدة. قبل عامين التقيت بسعيد فرجاني، الذي يجسد آمال الديمقراطية الجديدة في تونس. نشأ فقيراً، وأصبح شديد التدين في شبابه، في الوقت الذي كانت فيه تونس علمانية، كان فرجاني يشاهد الرئيس الحبيب بورقيبة، على شاشات التلفزيون وهو يرتشف عصير البرتقال خلال نهار رمضان، في الوقت الذي يمتنع فيه المسلمون عن تناول الطعام أو الشراب. عمل استفزازي متعمد في أمة مسلمة بأغلبية ساحقة، ما دفع فرجاني أن يصبح أكثر انخراطاً مع المجموعات الاسلامية المثقفة والناشطة سياسياً. بحلول عام 1987، أصبح بورقيبة مريضاً جداً، وتآمر فرجاني وأصدقاؤه للإطاحة به في انتفاضة ضد الحكومة، ولكن قبل 17 ساعة من تنفيذ خطتهم، استولى وزير الداخلية في ذلك العهد، زين العابدين بن علي على السلطة من خلال انقلاب عسكري. وبعد 10 أيام، ألقي القبض على فرجاني وشركائه في المؤامرة، وتعرضوا للتعذيب على يد حكومة بن علي الجديدة، وكسر التعذيب ظهر فرجاني، لكنه لم يكسر إرادته. وبعد خمسة أشهر من الإفراج عنه ظل ملازماً للكرسي المتحرك، وتمكن من تدريب نفسه على المشي لمسافات قصيرة، وذلك لكي لا تشك فيه السلطة خلال مغادرته البلاد عبر المطار بجواز سفر أحد الأصدقاء، ونجح في الفرار واستقر في بريطانيا، متعهداً بالعودة الى البلاد عندما تكون تونس على استعداد لكتابة فصل جديد في تاريخها. في عام 2011، بعد 22 عاماً في المنفى، عاد فرجاني، وسرعان ما أصبح قائداً في حركة النهضة الإسلامية المعتدلة، التي اضطرت للعمل تحت الأرض خلال عهد زين العابدين بن علي، ووجدت الحركة نفسها الأكثر شعبية في البلاد بعد سقوط النظام. وعلى الرغم من أن قيادة النهضة الجديدة ضمت مجموعة واسعة من الشخصيات، لكن يجمعهم التعذيب والنفي، أو السجن لمدة طويلة تحت حكم بن علي. وتصبح الرغبة في الانتقام بالنسبة لأشخاص مثل فرجاني وزملائه أمراً مفهوماً تماماً لما عانوه من تعذيب وتنكيل، ولكن عندما التقيت بفرجاني كان الانتقام آخر شيء يفكر فيه، حيث أخبرني أن الانتقام لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة، وانهيار تونس، أو العودة إلى الحكم الاستبدادي. وقال لي إنه لم ينتظر 22 عاماً ليرى فرصة الديمقراطية تنزلق من بين يدي البلاد، حتى لو كان ذلك في سبيل حياة النهضة، وأخبرني أن نجاح العملية الديمقراطية هي أحب إلينا من النهضة نفسها، وهذا غير قابل للتفاوض. لم يبالغ فرجاني، ففي أوائل عام 2014، عندما هدد اغتيال شخصيتين رفيعتي المستوى من السياسيين العلمانيين أسس العملية الديمقراطية، تخلى حزب النهضة طوعاً عن السلطة، ونقل السلطة إلى حكومة تكنوقراط لكي تقود تونس نحو الانتخابات الديمقراطية، وامتنعت النهضة في ما بعد من طرح مرشح للرئاسة، على الرغم من أنه كان لديها فرصة حقيقية للفوز، لكي تسمح للآخرين بإدارة الدولة. وبعيداً عن جائزة نوبل للسلام، فإن هناك الكثير من العقبات التي تعترض البلاد، فالتونسيون جميعهم على دراية تامة بوعورة الطريق الذي تسير فيه بلادهم. فقد ارتكبت الحكومة الجديدة انتهاكات مقلقة للغاية في مجال حقوق الإنسان، وقلصت الحريات المدنية لكي تتعامل مع خطر الإرهاب. وكاد أحد المسؤولين الحكوميين أن يلقى حتفه، الخميس الماضي، في محاولة اغتيال، وفي وقت سابق من هذا العام، تم قتل العشرات عندما اقتحم مسلحون متحف باردو الوطني. وبعد أشهر فقط، قضى مسلح على مجموعة من السياح على الشاطئ في منتجع في سوسة. وأنا أصافح فرجاني وأشكره على المقابلة، ذكر لي أن هذا كله جزء من عملية طويلة جداً فالصراع بين النظام القديم والنظام الناشئ لايزال مستمراً، ويضيف جائزة نوبل هي رمز لتقدم تونس نحو نظام ديمقراطي جديد، ومع ذلك لايزال من المبكر جداً إعلان النصر. * باحث وأستاذ بجامعة أكسفورد في التحول الديمقراطي
مشاركة :