بغداد - ينتمي الفنان العراقي فائق العبودي إلى تربة الفن الأصيل الحامل للهوية العراقية، وهو الدارس للفنون الجميلة والتصوير الفوتوغرافي والتصميم. تابع دراسته العلمية للتصميم الطباعي في سويسرا، فضلا عن حصوله على بكالوريوس فنون من الجامعة العربية المفتوحة في شمال الولايات المتحدة. واتخذ العبودي من مدينة لوزان السويسرية منذ عام 1999 مستقرا له، وأسّس فيها مركز فضاء الشرق الثقافي، ومجلة ألوان الثقافية وهي مجلة تهتم بالثقافة والإبداع والفنون. انتشرت لوحات الفنان العراقي في عدد من دول أوروبا وله جدارية أطلق عليها “السلام” وضعت في مدينة فيري بجنيف، وأعماله تمتلك خصوصية الاشتغال على الرموز والتمائم القديمة مستلهما مواضيعه من تاريخ العراق القديم، حيث يتمرّد على الألوان حين يقوم بتعتيق منجزه الفني ليمنحه قِدما تفوح منه رائحة التاريخ وكأن اللوحة قد أخرجت للتوّ من باطن الأرض. فهو يستقي من المشهد الحضاري العريق مادته التشكيلية وفق طرق متنوّعة وأسلوب تشكيلي يتميّز بمقومات وتفاعليات مختلفة، سواء على مستوى البناء الفضائي أو على مستوى التقنيات العالية الموظفة، أو على مستوى الجهاز المفاهيمي بكل تشعباته. فائق العبودي: المادة جزء من الفكرة، وهي التي تفرض شكلها وطريقة اشتغالها فائق العبودي: المادة جزء من الفكرة، وهي التي تفرض شكلها وطريقة اشتغالها أعماله تتبدّى بؤرا حمالة لأوجه من الرموز والعلامات التي تتجذّر في التاريخ العريق لتعبّر عن معان فلسفية وتاريخية واجتماعية وثقافية وحضارية وفق صيغ تعبيرية يُصيغها العبودي بألوان زاهية منتقاة بدقة فائقة وعناية دقيقة، ليشكّل منها مفردات جمالية ذات دلالات ومعان متنوّعة، فيعمد إلى روابط علائقية تتراءى بين العلامات والرموز والألوان، فيلجأ بدءا من عملية البناء إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر التشكيلية، ليفصح عن جملة من التراكمات الرمزية، والأشكال المتوهّجة، والعلامات الأيقونية التي تنبثق أساسا من الأشكال والألوان المحاذية لما يشخصّه من الواقع الرمزي بكل تفاصيله الدقيقة. وعن تجربته الفنية يقول الناقد المغربي محمد آيت لعميمي “لدى العبودي نزوع نحو الكتابة فوق القماش وكأنه يصنع مخطوطات قديمة، هذه القدامة نستشفّها من الإيهام بأثر البلي والكشط والمحو والخربشات. لقد ارتقى العبودي باستلهام هذا الموروث الغني إلى مستوى العالمية حيث تستقبل أعماله بكثير من الحفاوة والتقدير شرقا وغربا، وهذا هو المطلوب من أي فنان حقيقي، أن يغرق في المحلية ليصل إلى العالمية، فالحداثة ليست في تقليد التجارب الغربية بقدر ما هي بحث عن الغريب والمدهش فينا وإظهاره بلون العصر ليكتسب تداولا حقيقيا”. أما الناقدة السويسرية لورانس فولكنر سكيبوز فتقول عنه “لوحات العبودي تذكّرنا بالحقول الملونة للرسام الانطباعي التجريدي مارك روثكو، حيث يستعمل الفنان العراقي في آثاره الفنية ألوانا غامقة وأكثر عضوية كالألوان الطينية والرمادية، والتي تطرح فكرة الألواح القديمة للكتابة المسمارية (…) لوحات كأنها قطع أثرية منقّب عنها حديثا، وما زالت تحمل تراب وتآكل الزمن وتعاقبه”. يرسم العبودي كما لو كان يكتب نصا مفتوحا وبروحية مترعة بالحزن الشفيف ومتباعدة عن القلق الذي لا طمأنينة فيه، وفي منطقة ما من أشياء ذاته يختطف الألوان ليصعق الرائي بلمساته البهيجة، كل شيء لدى الفنان يدور في إطار الناموس الفني الخاص بالعراق، بلد الحضارات والأسئلة الكبرى والحالة التشكيلية المتميزة في العالم العربي. ناموس قال عنه الناقد اللبناني حازم سليمان “الاستغراق في عوالم الرموز الحضارية هو السياق الموضوعي الذي يجمع بين عموم أعمال العبودي وفق استحداثات وتوليفات بنائية وإيقاعية تحاول أن تعيش الحداثة واللحظة الراهنة دون قطعها عن حيوية الاستمرارية وحركة الزمن الذي لا يتوقف. ثمة قراءات واضحة المعالم يقوم بها الفنان العراقي لتراثه وموروثه الذي يُحاول أن يضع منه عالما جديدا متداخل العناصر والمفردات”. PreviousNext لوحات الفنان العراقي تستحضر في أشكالها عوالم قديمة ومنسية، ولادة الكتابة ونشأة الحضارات الإنسانية في الشرق الأوسط القديم، وتكمن تقنية عمله الفني في وضع طبقات من ألوان الصباغة الزيتية والأكريليك، لتتراكم فوق الورق، الخشب أو القماش، فتخلق أشكالا متعاقبة تجزّئ اللوحة إلى أقسام مختلفة، تطفو على سطحها رموز وأشكال تمتد إلى القديم. وفي ذلك يقول العبودي “أحب أن أجرّب عدة مواد وألوان حتى أحصل على النتيجة التي تخدم مشروعي الفني، ليست لديّ مادة مفضلة على أخرى، لا تهمني الوسائل ما دامت الفكرة تفرض نفسها على اللوحة، فالمادة أيضا هي جزء من الفكرة، وبالتالي تفرض أيضا شكلها وطريقة اشتغالها”. الأشكال الهندسية، الوجوه البارزة، أشجار النخيل والطيور.. كلها رموز تجريدية تحضر بكثافة في لوحات العبودي، هي إشارات من التاريخ القديم تشبه تلك الموجودة على الرقم والألواح الطينية القديمة في تمازج حميمي بين اللون والضوء. هذا التفرّد في الاشتغال على القدامة برؤى تجريدية حديثة مكّن العبودي من إيجاد علاقة بين بواكير الفن العراقي القديم والرؤية المعاصرة، وهو ما يؤكّده الناقد العراقي عادل كامل بقوله “العبودي وجد بنية شديدة التماسك في العناصر والوحدات والأشكال والمناخ، لكنه بدافع حبه للطبيعة وغنائيته الحزينة أعطى للألوان هذا الطابع الأقرب إلى الموسيقى أو المقام العراقي بما يمتلكه من خصوصية تقنية ونفسية وجمالية متوازنة بين العالم الخارجي وما يختلجه في أعماق الفنان”. ولفائق العبودي العديد من المعارض الفردية والجماعية ببغداد وبعض العواصم العربية والغربية، ونال قدرا كبيرا من الإشادة النقدية بتجربته الفنية التشكيلية ممّا أهله لعضوية أكاديميات فنية مختلفة، منها: جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، جمعية الخطاطين العراقيين، الرابطة الدولية للفنون بباريس وغيرها. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :