أصدرت وزارة المالية السعودية تعليمات للجهات الحكومية بإعادة ما لم تنفقه من أموال مخصصة لمشروعاتها في ميزانية هذا العام وذلك في إطار سعيها لترشيد الإنفاق في ظل هبوط أسعار النفط، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز. وعلى مدى الأعوام الماضية التي شهدت طفرة نفطية كانت الجهات الحكومية في أكبر مصدر للنفط في العالم لديها المرونة في صرف المبالغ الفائضة من الميزانية المخصصة لها بنهاية كل عام مالي عبر ما يعرف بالمناقلات بين بنود وبرامج ومشروعات الميزانية. ونقلت رويترز عن مصادر وصفتها بالمطلعة إن الوزارة أخبرت الجهات الحكومية هذا العام بأنه في حال عدم إنفاق المبالغ المخصصة لكل مشروع يجب إرسال هذه الفوائض لها مرة أخرى. ولم يتسن الحصول على تعقيب من وزارة المالية. ومنذ منتصف 2014 انخفضت أسعار النفط بأكثر من النصف. ويتوقع صندوق النقد الدولي ومحللون أن تسجل المملكة عجزا في الموازنة قد يتجاوز 120 مليار دولار هذا العام. ولتغطية هذا العجز لجأت الحكومة لسحب أكثر من 80 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية منذ اغسطس آب العام الماضي. ويسود اعتقاد بين الكثير من البيروقراطيين ورجال الأعمال والمواطنين السعوديين العاديين بأن فترة من التقشف النسبي باتت تلوح في الأفق مع سعي وزارة المالية لفرض المزيد من السيطرة على النفقات. وبحسب الاقتصادي السعودي فضل البوعينين فان المملكة باتت تركز على كفاءة الإنفاق الذي يستدعي الضبط وتشديد الرقابة المالية. ويضيف إيقاف المناقلات بين بنود الإعتمادات المالية إن كان واقعا ربما كان على علاقة بتحقيق الكفاءة من الاعتمادات المالية بحيث تستثمر في المشروع الذي رصدت من أجله فإن لم تستغل أو كان هناك فائضا فمن الأفضل أن تستثمر لتمويل مشروع يتم اعتماده وفق الحاجة والضرورة. كان وزير المالية إبراهيم العساف قال الشهر الماضي إن المملكة بدأت أيضا في خفض النفقات غير الضرورية مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية لما لها من أهمية للنمو الاقتصادي على المدى الطويل. ولم يذكر العساف آنذاك تفاصيل خفض الإنفاق على المشروعات غير الضرورية لكن الأوساط المالية فسرت تصريحاته بأنها إشارة على أن المملكة ستخفض الإنفاق في بعض نواحي ميزانية العام القادم. وخلال الأيام الماضية انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وثيقة ارسلتها الوزارة للجهات الحكومية تطالبهم فيها بوقف شراء السيارات والاثاث وايقاف التعيينات والترقيات على كافة السلالم الوظيفية الحكومية. ووصف رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال مازن السديري هذه التعليمات بأنها إجراء روتيني يصدر عن الوزارة بنهاية كل سنة مالية ويخص الربع الأخير من العام وذلك قبل إعداد الموازنة الجديدة. وأطلقت تلك الوثيقة عاصفة من التعليقات والتكهنات على موقع تويتر بشأن خفض الإنفاق الحكومي في المستقبل. لكن السديري استبعد ان تكون تلك إشارة على خفض كبير في الإنفاق الحكومي وقال الاقتصاد الحكومي يمر بمرحلة تحول ما يثير مخاوف الناس هو انهم لا يفهمون أن التحول لا يعني أن الوضع الاقتصادي سيصبح أسوأ...الدولة لن تتوقف عن الإنفاق لمساعدة القطاع الخاص وخلق فرص العمل. ويستبعد الاقتصاديون السعوديون أن تعاني المملكة من أي أزمة مالية قريبا إذ أن صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي - الذي يضطلع بدور صندوق الثروة السيادي في المملكة ويدير استثماراتها من إيرادات النفط في الأسواق الخارجية - كان عند مستوى 655 مليار دولار في اغسطس / آب وفقا لأحدث إحصاءات رسمية. ويعتقد أن اجمالي الإنفاق الحكومي مند بداية العام وحتى الآن تجاوز المستوى القياسي المخصص في موازنة 2015 عند 860 مليار ريال (229 مليار دولار). ويرجع ذلك لأسباب من بينها أمر العاهل السعودي الملك سلمان بصرف مكافآت سخية لموظفي الدولة والمتقاعدين وتخصيص مبالغ أخرى للإنفاق على الرعاية الاجتماعية عندما تولى الحكم في يناير كانون الثاني في حزمة تقدر بنحو 25 مليار دولار. كما أن الحملة العسكرية التي قادتها الرياض ضد الحوثيين في اليمن في مارس / اذار وشملت ضربات جوية وتدخلا بريا محدودا قد تكلف المملكة عدة مليارات من الدولارات هذا العام حسب تقديرات محللين عسكريين. لكن نواح أخرى باتت تظهر تباطؤا في الإنفاق الحكومي. وبحسب بيان لوزارة المالية الأسبوع الماضي أجازت الوزارة عقودا لمشروعات جديدة بقيمة 106.02 مليارات ريال في الأشهر التسعة الأولى من العام بانخفاض 38% عن العام السابق. وتمثل العقود التي تجيزها وزارة المالية جزءا محدودا من الإنفاق الحكومي إذ يجري تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى خارج إطار الموازنة العامة للدولة لكن هذا التراجع ربما يعكس بداية توجه حذر بين المسؤولين. ونقلت الوكالة عن مصدرين في وزارة المياه والكهرباء إنه لم يجر ترسية أي مشروع جديد خلال الأشهر الأربعة المنصرمة رغم طرح عدد من المشروعات في وقت سابق من العام، وإنه لم يجر إلغاء أي من تلك المشروعات مما يشير إلى احتمال المضي قدما في تنفيذها خلال 2016. وبحسب ما أفادت مصادر رويترز تمّ على مدى الأشهر القليلة الماضية تقليص خطة لبناء عدد من ملاعب الكرة بمختلف أنحاء البلاد وجرى إلغاء عقد بقيمة 201 مليون دولار لشراء قطارات سريعة كما تباطأت عملية توسعة أحد الحقول النفطية،وربما يستمر هذا الأمر العام المقبل. وفي تسعينيات القرن الماضي عندما هبطت أسعار النفط إلى نحو 20 دولارا للبرميل خفضت الحكومة السعودية الإنفاق الإجمالي بنحو 10% خلال بعض السنوات وقد يكون رد فعل مماثل أمرا محتملا العام المقبل. كانت الحكومة السعودية قالت إنها ستسعى لترشيد الإنفاق على الرواتب والمكافآت لموظفي الدولية والتي تمثل 50% من الموازنة لكن يعتقد أنها ليس أمامها مجالا يذكر لعمل ذلك لما للأمر من حساسية سياسية وهو ما يجعل مشروعات البنية التحتية واستثمارات الدولة عرضة بشكل أكبر لخفض الإنفاق. من جهته قال الاقتصادي السعودي عبد الوهاب أبو داهش إن الوضع الاقتصادي للمملكة لا يزال جيدا ومؤشرات النمو منذ بداية العام إيجابية ما يجعل الحديث عن خفض كبير في الإنفاق أمر سابق لأوانه. ويضيف لكن تلك الخطوات وتأجيل عدد من المشروعات يعطي إشارات على إعادة ترتيب الحكومة لأولويات الإنفاق.
مشاركة :