رواية المعطف.. 

  • 7/10/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعد رواية المعطف للكاتب والروائي الروسي «نيكولاي غوغول» من أفضل الروايات الأدبية القصيرة، وأكثرها تأثيراً في الأدب الروسي، يرسم فيها الكاتب صورة هزلية لبطل القصة «أكاكي أكاكيفيتش» تتحول تدريجياً إلى صورة مأساوية عبر أحداثها العجيبة، «أكاكي» موظف عادي غريب الأطوار ومثير للشفقة بمعطفه الرث، وهو في الواقع كاتب في متوسط العمر ومستشار فخري في مؤسسة ما من مؤسسات الخدمة المدنية في روسيا، ولا يظهر «أكاكي» على الرغم من دناءة الوضع وتعليقات زملاء العمل الساخرة من معطفه البالي الرقيق أي استياء من حالته، بل يطيب له العمل فيما يعتبره عالمه الخاص الممتع، إلا أنه يجد عالمه ذاك وقد أصابه الاضطراب حين يدرك حتمية شراء معطف جديد، وبتكلفة تفوق قدراته بمراحل، وعلى الرغم من استيائه المبدئي، لكنه سرعان ما يجد في مسعى الادخار وتصميم المعطف الجديد هدفاً أسمى. وفي يوم تلقيه المعطف تغمره السعادة، لكنه يتعرض للسرقة من قبل اللصوص أثناء عودة من الاحتفال باقتنائه، وتتوالى الأحداث التي تذهب به إلى توسل شخصية مهمة ليساعده في استعادة المعطف، لكن تلك الشخصية ترفض مساعدته، ليموت أكاكي أكاكيفيتش بحرقة المعطف. قد تختلف الآراء التي تنسب جملة «لقد خرجنا جميعاً من تحت معطف غوغول!» بين فيودور دويستويفسكي وإيفان تورغينيف، لكن أياً كان قائلها، فقد أصاب بلا أدنى شك. وقال غابريل غارسيا ماركيز: «إن الواقعية السحرية لأميركا اللاتينية مدينة إلى حد كبير لقصة (المعطف) لغوغول». استطاع غوغول أن يجعل القارئ يعيش في أجواء روحية مع أكاكي أكاكيفيتش ومع كل الفقراء على شاكلته والتي تحلم بالدفء ولقمة العيش، وبالمستوى نفسه من التأثير يصور لنا هذه المشاعر ولكن بشكل مغاير حين يصف إحباطات هذا الإنسان حين تتم سرقة هذا المعطف «الحلم»، حين يقول: «أحس كيف نزع المعطف منه، وجهت إليه ركلة وقع على أثرها في الثلج على ظهره، ولم يحس بشيء أكثر من هذا، وبعد بضع دقائق صحا على نفسه واستوى على قدميه، ولكن لم يعد أحد موجوداً، لقد أحس أن الجو بارد وأن المعطف غير موجود فجعل يصرخ، ولكن بدا أن الصوت لا يبلغ أطراف الساحة فانهد يركض مستميتاً دون أن يكف عن الصراخ». وهكذا زال واختفى إلى الأبد إنسان لم يفكر أحد من الخلق في حمايته، ولم يكن عزيزاً على أحد، ولم يكن أحد يهتم بأمره لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى عالم التاريخ الطبيعي الذي لم يكن ليقاوم غرز دبوس في جناح ذبابة منزلية وفحصها تحت مجهره، إنسان تحمل هزء وسخرية زملائه من غير أن يتذمر ويعبر عن احتجاجه، إنسان ذهب إلى مرقده الأخير بلا أدنى ضجة، ولكن مع ذلك (على الرغم من أن ذلك ليس قبل أيامه الأخيرة) ظهر فجأة زائر مضيء على هيئة معطف، ليضيء حياته البائسة لمجرد لحظة خاطفة، مخلوق حلت به نكبة قاسية كما تعصف النكبات بالملوك وعظماء البشر على هذه الأرض. خالد المخضب

مشاركة :