ورقة في مهب الريح...!

  • 7/10/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

(إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) من يتأمل أول أمره ومنتهاه سيعرف موضعه من الإعراب في هذه الحياة، ولقد أثارني هذ الأمر منذ كنت طالبا حتى نلت درجة الدكتوراه ولم أجد السبب الذي يجعل بعض الأفراد يتعالون على المجتمع وفق منصب سيتنحى عنه عاجلا أم آجلا أو وفق درجة علمية لربما نالها بطرق ملتوية. يعلم الجميع أن اللقب الذي تضعه أمام اسمك ما هو إلا درجة علمية موضعها الحقيقي هو ردهات الجامعة أو الحقل الذي تعمل به أما خارجه فأنت فرد من أفراد المجتمع ليس لك رفعة إلا بالتقوى -ولا يعلم تقواك إلا الله تعالى- ولكن يخفى عن الناس أن من يتمسّك باللقب قبل اسمه يجد هشاشة داخلية لا يردمها إلا ذلك اللقب فهو "ورقة في مهب الريح" لكن اللقب يعيد هذه الورقة للأرض. نعم فالهشاشة والخواء الداخلي جعل البعض يتغير بين عشية وضحاها بمجرد حصوله على لقب معين أو حين يتم تعيينه في منصب ما. فتجده وقد غير نغمة حديثه وقد غير أسلوبه في التعامل مع الآخرين تجده وقد غير حتى تعامله حتى مع أقرب الناس. ولقد أثارني يوما حينما كنت أريد أن أحصل على شهادة ميلاد إحدى بناتي من الأحوال المدنية حيث يوجد سجل في زاوية الأحوال للتوقيع بالاستلام وكان أمامي شخص قد كتب قبل اسمه (دكتور....) ومن ثم قام بالتوقيع ولا أعلم هل شعر بالنشوة حينما وضع اللقب أمام اسمه في سجل في زاوية الصالة!!! عشت في الغرب بين أكناف أساتذة لهم باع طويل في العلم وهم رواد المعرفة في مجالهم ولكني لم أنادي أحدهم يوما بلقب (بروف) أو (دكتور) بل حت مشرفي كان ينهاني عن مناداته بأي لقب فكان يقول لي نادني ببيتر. وفي مجتمعنا يكفهر وجه البعض سخطا إن نسي أحدهم أن يناديه بدكتور أو غيره من الألقاب. ولقد أعتدت أن أرسل لطلابي وطالباتي عبر البريد الإلكتروني وأختم رسالتي بـ(تحياتي، خضر) لكن الأمر أثار فضول البعض حيث ليسألني لماذا لا تضع (دكتور) وقد أجبتهم ماهي إلا درجة علمية والاسم المحبب لي هو (خضر) فبه أحيا وبه أموت. إن الشعور بالضعف يجعل البعض متعلقا بقشة اللقب بل ويمنحه هذا اللقب حصانة مجتمعية تجعل من رأيه رأي (حذام): إذا قالت حذام فصدقوها، فإن القول ما قالت حذام. نعم فاللقب والمنصب يصنعان المعجزات لصاحبهما في المجتمعات التي تهوى الاستعراض وحب الظهور، بل وتمنحان صاحبهما امتيازات خاصة لا يجدها غيره. وأتذكر أن أحد إخواننا من إحدى الدول العربية حينما سألوه ما الهدف من دراستك للدكتوراه؟ فأجاب إجابة شفافة للغاية: حتى أتوج به مؤلفاتي التي باتت رهن الأرفف بدون لقب (د). وقد صدق القول بذلك فلقب دكتور يصنع لك المستحيل ولولا ذلك لما هرع الناس لشراء الدكتوراه من جامعات وهمية ليردمون بها هشاشة النفس وخواء الذات... أكاديمي جامعة أم القرى

مشاركة :