أيد وزراء مالية دول مجموعة العشرين في محادثات أمس، خطوة تاريخية لمنع الشركات متعددة الجنسيات من تحويل أرباحها إلى ملاذات ضريبية منخفضة، كما أنهم يعتزمون التحذير من أن سلالات فيروس كورونا تهدد التعافي الاقتصادي العالمي. ووفقا لـ"رويترز"، أقر الوزراء الحاجة إلى ضمان حصول البلدان الفقيرة على اللقاحات بشكل عادل، لكن مسودة البيان لم تتضمن مقترحات جديدة محددة حول كيفية القيام بذلك. ومن المقرر أن يكون الاتفاق الضريبي أكبر مبادرة سياسية جديدة تنبثق من هذه المحادثات، ويتوج الاتفاق ثمانية أعوام من الخلاف حول قضية الضرائب، والهدف من المحادثات هو أن يتم إقرار الاتفاق من زعماء الدول أثناء اجتماع قمة مجموعة العشرين المقرر في تشرين الأول (أكتوبر) في العاصمة الإيطالية روما. وقالت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية إنه سيتم تشجيع عدد من الدول الأصغر التي لا تزال تعارضه، مثل إيرلندا والمجر منخفضة الضرائب، على التوقيع حتى تشرين الأول (أكتوبر). وأضافت "سنحاول القيام بذلك، لكن يجب أن أؤكد أنه ليس من الضروري أن تنضم كل دولة". وأوضحت قائلة "يحتوي هذا الاتفاق على نوع من آلية التنفيذ يمكن استخدامه للتأكد من أن الدول الرافضة ليست قادرة على تقويض الاتفاق أو استخدام الملاذات الضريبية التي تقوض عمل هذا الاتفاق العالمي". ويمثل أعضاء مجموعة العشرين ما يزيد على 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و75 في المائة، من التجارة العالمية و60 في المائة، من سكان كوكب الأرض، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والهند. إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي الرافضة للاتفاق، وهي إيرلندا وإستونيا والمجر، فإن الدول الأخرى التي لم توقع على الاتفاق تتضمن كينيا ونيجيريا وسريلانكا وباربادوس وسانت فنسنت وجرينادين. ويفترض أن توضع اللمسات الأخيرة على قواعد هذا التغيير الضريبي المتمثل بفرض ضريبة عالمية نسبتها 15 في المائة، على الأقل لإنهاء الملاذات الضريبية ورسوم على الشركات في الدول التي تحقق فيها أرباحا، بحلول تشرين الأول (أكتوبر) على أن يبدأ تطبيقه في 2023. وصرح برونو لو مير وزير الاقتصاد الفرنسي بأن جميع دول مجموعة العشرين انضمت إلى الاتفاق، مشيرا إلى أن هذا الحد الأدنى من الضرائب على الشركات يجب أن يكون طموحا وأن يضع حدا للسباق إلى أدنى ضريبة الذي تحول إلى مأزق كامل منذ اعوام"، وفقا لـ"الفرنسية". وقال إن البلدان التي تمثل 85 في المائة، من إجمالي الناتج المحلي تسعى إلى فرض ضرائب بطريقة عادلة على المجموعات الرقمية العملاقة التي تتهرب بشكل كبير من الضرائب، وهذا ما لا يمكن أن يقبله أي شخص". ويخوض عدد من دول مجموعة العشرين بما فيها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا حملات لفرض ضريبة تزيد نسبتها على 15 في المائة، لكن لا يتوقع أن تتحرك في هذا الاتجاه قبل الاجتماع المقبل لأغنى 19 دولة في العالم وللاتحاد الأوروبي في تشرين الأول (أكتوبر). ذكر أولاف شولتس، وزير المالية الألماني، أن الدول الصناعية والتجارية العشرين الكبرى ستوافق على الإصلاح الضريبي العالمي المخطط له للشركات الكبيرة. وقال شولتس على هامش اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين :"لقد عملنا بمشقة في الأسابيع الماضية، لكننا نجحنا، يتعين تنفيذ الحد الأدنى المخطط لمعدل الضريبة بنسبة 15 في المائة، وتطبيق توزيع جديد للحقوق الضريبية بين الدول في أقرب وقت ممكن. وأضاف: "هدفنا هو دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 2023، من المنتظر حسم القضايا النهائية بحلول تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام". وعلى مستوى العمل، وافقت بالفعل 131 دولة حول العالم على هذه الخطط، ويهدف الحد الأدنى لمعدل الضريبة إلى منع الشركات من نقل مقارها إلى بلدان منخفضة الضرائب ومنع الدول من خفض ضرائبها على الشركات خلال المنافسة مع بعضها بعضا. وإضافة إلى ذلك، لا يتعين على الشركات الدولية دفع الضرائب في بلدانها الأصلية في المستقبل فحسب، بل أيضا حيثما تزدهر أعمالها، وسيؤثر ذلك، من بين أمور أخرى، في الشركات الرقمية الكبيرة، التي غالبا ما تدفع ضرائب قليلة للغاية بوجه عام حتى الآن. لكن العديد من أعضاء مجموعة العمل التابعة لمنظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي، الذين توصلوا إلى اتفاق مبدئي في الأول من تموز (يوليو) ما زالوا معارضين للاتفاق، مثل إيرلندا والمجر. وتفرض إيرلندا منذ 2003 ضريبة تبلغ 12.5 في المائة، تعد ضئيلة جدا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى ما سمح لها باستقبال المقار الأوروبية للعديد من مجموعات التكنولوجيا العملاقة مثل أبل وجوجل. والهدف الأول لهذا التعديل هو ضمان توزيع عادل بين الدول لحقوق فرض ضرائب على أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، فمجموعة "بريتش بتروليوم" النفطية مثلا موجودة في 85 دولة. وقال باسكال سانت أمان، مدير مركز السياسة والإدارة الضريبية في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، إن الشركات المستهدفة هي "المجموعات المائة الأكثر ربحية في العالم التي تحقق وحدها نصف إيرادات العالم"، المجموعات الكبرى الأربع للتكنولوجيا جوجل وأمازون وفيسبوك وأبل (غافا). أما الحد الأدنى للضريبة العالمية، الركيزة الثانية، فستتأثر به أقل من عشرة آلاف شركة كبيرة وهي تلك التي يتجاوز حجم مبيعاتها 750 مليون يورو سنويا. وقالت منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي إن الحد الأدنى الذي يبلغ 15 في المائة، قد يسمح بإيرادات إضافية تبلغ 150 مليار دولار سنويا. وبرئاسة إيطاليا، عقد وزراء مالية مجموعة العشرين اجتماعهم "حضوريا" للمرة الأولى منذ لقائهم في الرياض في شباط (فبراير) 2020 في بداية انتشار فيروس كورونا. وكانت من بين الحاضرين جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية وكريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي وكريستالينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، لكن الصين والهند اختارتا المشاركة افتراضيا. وكشفت مسودة بيان أن مجموعة العشرين تدعم مبادرة صندوق النقد الدولي لزيادة المساعدات للدول الأضعف بشكل إصدار جديد لحقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار، وطالبت بتنفيذ ذلك بسرعة بحلول نهاية آب (أغسطس)". ورحب أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة امس الأول بزيادة احتياطيات صندوق النقد الدولي وحث أعضاء مجموعة العشرين على "التضامن" مع الدول النامية. وقال إن "التضامن يتطلب من الدول الغنية توجيه الجزء غير المستخدم من هذه الأموال إلى الدول النامية". وفي مواجهة عدم المساواة أمام وباء كوفيد - 19، يفترض أن تنظر مجموعة العشرين مجددا في مصير البلدان الأكثر فقرا التي "تواجه خطر خسارة السباق ضد الفيروس"، على حد قول صندوق النقد الدولي.
مشاركة :