القاهرة – من محمد الفقي صدر عن دار "روافد" بالقاهرة الجزء الرابع من يوميات الكاتب مصطفى ذكري تحت عنوان "أشغال وقت شاقة". وقد سبق هذا الكتاب ثلاثة أجزاء أخرى من يوميات ذكري، هي بالترتيب: "على أطراف الأصابع، 2009"، و"حطب معدة رأسي، 2012"، و"أقصى ما يمكن، 2018". في "أشغال وقت شاقة" يمارس مصطفى ذكري لعبة المحقق البوليسي؛ فيعاين الجثث، ويقتفي آثار الجناة، ويجمع فوارغ الطلقات، ويستجوب الشهود، ويواجه المتهمين، ويزور المعمل الجنائي ويفحص الحمض النووي. ويُخلص ذكري لتلك اللعبة في تحقيقاته الجمالية، حتى تتخذ الأدلة بين يديه شكل البراهين والحجج الدامغة؛ إما على قيمة عمل فني أو أدبي، أو على زيف وتفاهة آخر. فبينما يقنع الآخرين بترتيبات الدعاية والرعاية للأسماء الكبيرة في عوالم الأدب والفن والفلسفة، أسماء البيست سيلرز، يصر المحقق البوليسي في مصطفى ذكري على كشف حقيقة تلك الأعمال، ليس حباً أفلاطونياً في البحث عن الحقيقة، ولكن من باب التسلية وتزجية الوقت، الوقت المبتذل بكل ثقله ووطأته على معتزل مثل مصطفى ذكري. وذكري حين يحب أن يهين الزمن يسميه الوقت. المفارقة، أن ذكري في عزلته تلك لديه كل وقت العالم وعليه أن يزجي هذا الوقت بتسليات يمكن لها أن تستهلك الملل والابتذال اللانهائيين للحياة اليومية. لكنه وهو يسلي نفسه بلعبة التحري، تنكشف أمام أعيننا قيمة الدرر والأعمال العظيمة، وزيف وتفاهة أعمال أخرى. هناك أيضاً الكرم الموجود في هذه التحقيقات الجمالية؛ إن ذكري لا يبخل إطلاقاً على القارئ بكشف سر الصنعة له، سر قوة وضعف الأعمال الفنية والأدبية، كالساحر الكريم الذي يكشف سر الألعاب السحرية للمتفرجين. المفارقة أيضاً كامنة في حقيقة أنه وهو يسلي نفسه بلعبة التحري، يؤكد مصطفى ذكري من جديد أنه يقف في ساحة الثقافة العربية متفرداً في الأسلوب، متفرداً في الغايات، مثل مستور بين عريانين.
مشاركة :