هل انتهت قضية تزوير الشهادات العلمية بصدور قانون 2019/78 في شأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة؟ هل نال المزورون جزاءهم قضائيًا وصاروا عبرة لمن لا يعتبر؟ هل نحن أمام أزمة أخلاقية تطفو على السطح كلما فضحها مواطن غيور على بلده، لتُحدث ضجة إعلامية وتكون حديث الرأي العام لبرهة من الزمن؟ هنا محاولة لقراءة ملف الشهادات الجامعية المزورة من منظور نقدي، بعد عرض المشكلة وأبعادها وانعكاساتها على واقعنا الحالي. تزوير الشهادات الجامعية: كيف بدأت المشكلة؟ الصورة: الجريدة أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أن أضخم عملية تزوير شهادات جامعية شهدتها الكويت كانت في صيف 2018، لتشمل تلك الصادرة من جامعات وهمية أو جامعات غير معتمدة. واستمرت السلطات الكويتية في كشف المتورطين وإحالة المزورين إلى النيابة العامة. ويشار إلى أن بعضهم شخصيات بارزة في المجتمع، ويشغلون مناصب حساسة. وفي توضيح لحجم قضية التزوير، صرح النائب عودة الرويعي ، رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الأمة الكويتي آنذاك، بأن «الوزير أبلغنا أن هناك 50 حالة، خمس منهم في الحبس، وما زالت التحقيقات جارية وسيكون لها تداعيات كبيرة، لن تقف عند التعليم العالي». يدُعى العقل المدبر للشهادات المزورة «أيمن»، ويحمل الجنسية المصرية. قدم إلى الكويت عام 1991، وعمل مدرسًا للغة العربية. وفي العام 1999 اتجه للعمل في القطاع الخاص، فأنشأ عدة معاهد خاصة من أبرز أعمالها إرسال الطلبة للدراسة في الخارج، وعقد دورات تدريبية للجهات الحكومية. تسلمته الكويت عبر الشرطة الدولية (الإنتربول) بعد هروبه إلى مصر ثم تركيا وأخيرًا الإمارات، للتواري عن الأنظار بعدما تصدرت قضايا تزويره الإعلام المحلي والخليجي. يصل حجم جرائم التزوير التي ارتكبها المتهم إلى 600 شهادة، علمًا بأن غالبية زبائنه من الشخصيات البارزة . ويعتمد سعر تزوير الشهادة على المكانة الاجتماعية للمستفيد وإمكانياته المادية. فثمن الشهادة المزورة يتراوح بين 12 و20 ألف دينار كويتي. ولعل الخطورة تكمن في أن الشهادات التي زورها أيمن «تأتي عبر مراسلات رسمية ومختومة بأختام أصلية، من دون أن يسافر المتهمون المزورون ولو لمرة واحدة إلى تلك الجامعات أو يحضرون أي محاضرة فيها». من هذا المنطلق، وحتى يوليو 2020، سُجلت ضد المزور أحكام قضائية وصل إجمالي سنوات الحبس فيها إلى أكثر من 63 عامًا. لا شك أن تزوير 600 شهادة جامعية وإحالة 50 متهمًا للنيابة العامة خلال عام واحد (2018) يعد واحدة من كبرى قضايا التزوير في الكويت، التي هزت الرأي العام وأحرجت الحكومة ممثلة في وزارة التعليم العالي، لكن الحقيقة أننا لا نستطيع أن نحصر قضايا تزوير الشهادات العلمية في قالب واحد، فلكل قضية ظروف ومسببات تختلف عن غيرها، وسنتطرق لبعض منها بغرض الإيضاح. في مارس 2012، أقدم 67 مقيم من سوريا والأردن ومصر ممن قدموا إلى الكويت بصفة الالتحاق بعائل، على تزوير شهادات جامعية لاستخراج رخص قيادة ، لأن عدم حيازتهم لشهادات جعل منهم غير مستوفين لشروط وزارة الداخلية. وفي محاولة تضليل السلطات في الكويت لجأوا إلى عصابة مكونة من ستة مزورين ، لتزوير شهادات تثبت أنهم مقيدون في جامعات كويتية خاصة مقابل 300 دينار لكل شهادة. وأفادت المصادر أن المزورين تمكنوا من تمرير معاملاتهم عبر الإدارة العامة للمرور، إلا أن وزارة الداخلية نصبت كمينًا للعصابة وأحالتهم جميعًا إلى النيابة العامة. وتبين لاحقًا أن 50 شهادة وهمية مُررت عبر وزارة الداخلية لاستخراج رخص القيادة، وبسبب هذه القضية قررت النيابة التحقق من 800 شهادة أخرى. هناك معايير ثابتة لا بد أن تُثبت قانونيًا حتى تعتبر الشهادة مزورة، وحتى يُدان المزور بالتزوير ويعاقب عليه. لنا في مايو 2019 مثال آخر، حين تصدر ملف تزوير الشهادات العلمية المشهد المحلي في الكويت من جديد، الأمر الذي دفع الحكومة إلى فتح باب التحقيق في القضية مجددًا، وأحيلت للنيابة العامة قضية تزوير لمعادلة شهادة دكتوراه تحمل اسم وشعار جامعة عربية عريقة، ومن ضمن الجامعات المعترف بها في الكويت. سُجلت القضية ضد معلمة كويتية تعمل في إحدى مدارس وزارة التربية، بعد أن قدمتها للحصول على مكافأة المؤهل العلمي. روت المصادر أن الصدفة كانت اللاعب الأول في الموضوع، إذ وقعت المعادلة بين يدي موظفة بوزارة التربية لديها صديقة تعمل في إدارة معادلات الشهادات العلمية بوزارة التعليم العالي، وأخبرتها الأخيرة أن المسؤول عن الإدارة امرأة وليست رجلًا كما هو مُثبت في ختم معادلة الدكتوراه، ومن هنا بدأت القصة. بعد ضبط الموظف المتهم بتزوير الشهادات، اعترف بأسماء موظفين ومسؤولين قدموا له المساعدة، أو غضوا النظر عما يفعله مقابل مبالغ مالية أو حتى دون مقابل، وفق تقارير إعلامية . أثارت هذه القضية الشكوك بأن يكون للعصابة التي ضُبطت في 2018 يد في تزوير معادلات الشهادات، لكن هذه المرة من داخل أروقة وزارة التعليم العالي. فالتزوير يحمل ختم وتوقيع مدير إدارة معادلات الشهادات السابق، والذي ترك منصبه قبل ثلاث سنوات. تشخيص المشكلة لا شك أن كشف المزورين وإحالتهم للنيابة العامة خطوة مهمة لإرساء الحق ومعاقبة المتورطين واقتلاع أحد جذور الفساد، لكن من الصعب للغاية رصد حالات التزوير المشكوك فيها والتي لم يُبلغ عنها في السابق. ومن الوارد جدًا أن هناك حالات غُض البصر عنها، أو لم تُكتشف لضعف القوانين والإجراءات الإدارية والقانونية. لكن بإمكاننا أن نرى أننا أمام نوعين من تزوير الشهادات الجامعية في الكويت: النوع الأول أن تُزور من داخل الكويت، وذلك يشمل تزوير معادلات الشهادات الجامعية بكل مراحلها بما فيها الدراسات العليا. والنوع الثاني هو تزوير الشهادات من خارج الكويت. مع الأخذ في الاعتبار أن هناك جامعات حقيقية أي معترف بها محليًا ودوليًا، وجامعات فعلية لكن غير معترف بها في الكويت، وجامعات وهمية أي غير موجودة على أرض الواقع وغير مدرجة أكاديميًا. من الناحية القانونية، يرى المحامي لؤي الخرافي أن هناك «معايير ثابتة لا بد أن تُثبت قانونيًا حتى تعتبر الشهادة مزورة، وحتى يُدان المزور بالتزوير ويعاقب عليه. فلا يكفي لاعتبار الشهادة مزورة الحصول عليها عن طريق المراسلة البريدية، وإنما يتطلب تحقق شروط التزوير الواردة في المادة 257 من قانون الجزاء الكويتي». وزارة التعليم العالي هي الجهة المسؤولة عن إثبات حالات التزوير استنادًا إلى الشروط الواردة في المادة 257 من قانون الجزاء، وعليه تُحال القضية إلى النيابة للتحقيق، ومن ثم إلى المحكمة لإصدار الأحكام وفرض العقوبة، مع ضرورة إثبات الحالات التالية كما رصدها الخرافي في جريدة «القبس» الكويتية: أولًا: من المهم جدًا الفصل والتمييز بين الشهادات غير المعترف بها من قبل التعليم العالي والتي لا يعتبر الحاصل عليها مزورًا، وتلك التي لم تصدر من الأساس من الجامعات المعتمدة لديها، وهي الشهادات المزورة في الأصل. ثانيًا: إثبات حصول المتهم على تصديق وزارة التعليم العالي على شهادات الجامعات غير المعترف بها بالتزوير، وهي شهادات أصلية صادرة من جامعات فعلية قائمة لكن غير معترف بها لدى وزارة التعليم العالي، إلا أن الحصول على تصديق وزارة التعليم العالي تم عن طريق التدليس. ثالثًا: إثبات إقرار المتهم بصحة تصديق شهادته لدى أي جهة حكومية على خلاف الحقيقة والواقع. ردود الأفعال على الصعيد الحكومي ، كان لمجلس الوزراء موقف ثابت بإلزام كل الوزارات والجهات المعنية في الدولة بتطبيق القانون على جميع المتورطين، وعدم التهاون في أبعاد قضية تزوير الشهادات العلمية ضمن حملتها لمواجهة الفساد. ففي يوليو 2018، قرر المجلس فحص الشهادات الدراسية لجميع موظفي الدولة، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت تزويره لمؤهلاته الدراسية، أو تورطه في تسهيل التزوير. تضمن القرار تشكيل لجنة من جهات حكومية لدراسة الشهادات الدراسية للموظفين وفحصها، والتأكد من خلوها من أي مخالفات أو تجاوزات قانونية. على النقيض تمامًا، تداول الرأي العام الكويتي في ديسمبر 2020 خبرًا عن تعيين الحكومة وزيرًا يحمل شهادة عليا من جامعة مشكوك في أمرها. ورغم عدم إمكانية التحقق من هذه المعلومة ومدى صحتها، يجرنا هذا إلى حزمة من التساؤلات حول مدى أهمية الشهادات العليا في التشكيلات الوزارية والمناصب القيادية: هل تخضع مؤهلات الوزراء والقياديين للتدقيق عند تعيينهم؟ هل الشهادات العليا مطلب للوصول إلى المناصب العليا، أم أنها وجاهة اجتماعية لإثبات كفاءة مزعومة؟ من ناحية أخرى، أبدت مؤسسات المجتمع المدني تعاونها ودعمها لجهود الدولة للحد من قضايا تزوير الشهادات، التي نخرت في مصداقية التربية والتعليم العالي في الكويت. فكانت هناك مطالبات شعبية بتطوير آليات اعتماد الشهادات العلمية لسد الثغرات أمام المتلاعبين. على سبيل المثال لا الحصر، بادرت جمعية المحامين الكويتية بمخاطبة حامد العازمي، وزير التربية والتعليم العالي آنذاك، لمعرفة ما إذا كان من بين المتهمين محامون يمارسون المهنة، وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم في حال ثبوت تهمة التزوير عليهم. وطالبت الجمعية أيضًا بتشكيل فريق عمل مشترك يضم الطرفين بالإضافة إلى الجمعيات المختصة للتنسيق بشكل مباشر. ولعل الأبرز هو موقف هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، وقرارها إحالة بلاغ إلى النيابة العامة بشأن تزوير عدد من أساتذة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي شهاداتهم، وذلك لأن تعيين الأساتذة في مناصبهم بالهيئة كان بناء على تلك الشهادات المزورة. وتفيد المصادر أنهم حصلوا على الشهادات من جامعة وهمية في اليونان. أما بالنسبة لرد فعل مجلس الأمة الكويتي، فقد وافق في 1 يوليو 2019 على مشروع قانون يحظر استخدام الشهادات العلمية غير المعادلة بأغلبية 43 صوتًا، مقابل 11 صوتًا معارضًا. وعليه صادق سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح في 25 يوليو 2019 على قانون 78 لسنة 2019 في شأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة، والذي تضمن 11 مادة بالإضافة إلى مذكرة إيضاحية. أبرز ما جاء في القانون مقاضاة من يعمل بشهادة علمية غير معادلة من الجهات المعنية. فمعادلة الشهادة شرط أصيل للحصول على وظيفة والاستفادة منها أدبيًا وماديًا، إلا أن هذا الشرط غير مطلوب من عضو هيئة التدريس المبتعث من الجامعات الحكومية. ويفرض القانون ذات الشيء على الجهات الحكومية والأجهزة التابعة لها، فمن غير المسموح للجهات الرسمية قبول شهادات غير معتمدة أو توظيف أي شخص لم يعادل شهادته، ولا حتى الاستعانة بخبراته بصفة دائمة أو مؤقتة. البعض يحمل صفة دكتور ويعرف نفسه أو مؤسسته أو شركته بها، في الوقت الذي تكون فيه الشهادة أو الجامعة غير معترف بها، مما يعرضه للمساءلة القانونية. ضيقت المادة الخامسة الحصار على المزورين وغيرهم ممن لم يعادلوا شهاداتهم، بعدم سماحها لهم بأن يعلنوا أو ينشروا الألقاب العلمية في أي وسيلة من وسائل الإعلام إلا بعد معادلة الشهادة. ولعل أهم جزئية في تشريع مثل هذا القانون هي المساءلة القانونية التي يفرضها على المخالفين، والتي فصَّلت فيها المواد رقم 6 و7 و8. فجاءت المادة 6 صريحة عندما أقرت الحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر والغرامة التي لا تتجاوز ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم أي شهادة دراسية غير معادلة بقصد الحصول على منفعة مالية أو أدبية. تُشدد العقوبة على الموظف العام الذي وافق على استخدام شهادته غير المعادلة في أي معاملة رسمية واستفاد منها أدبيًا وماديًا، وذلك بحبسه مدة لا تتجاوز سنة وغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين. أما المادة 8 فأجازت العزل من الوظيفة إذا ثبت تعيين أو الاستعانة بصفة مؤقتة أو دائمة بناء على شهادة أو مؤهل علمي غير معادل. وألزم القانون مخالفيه بسداد ما حصلوا عليه من رواتب أو امتيازات مالية تحت أي مسمى، وكذلك بعدم الإخلال بأي عقوبة أشد نص عليها أي قانون آخر. جاءت ردود الأفعال النيابية بين مؤيد ومعارض للقانون، فقال صالح عاشور ، وهو أحد أعضاء مجلس الأمة الـ43 الذين صوتوا مع القانون: «البعض يحمل صفة دكتور ويعرف نفسه أو مؤسسته أو شركته بها، في الوقت الذي تكون فيه الشهادة أو الجامعة غير معترف بها، مما يعرضه للمساءلة القانونية». أما رياض العدساني ، عضو مجلس الأمة السابق الذي صوت ضد القانون، فقال: «نحن مع تجريم الشهادات المزورة، لكن القانون الحالي الذي أقره المجلس يضم بعض العيوب الدستورية. فعلى سبيل المثال إذا تخرج دكتور من جامعة دولية ومعتمدة دوليًا لكنه لم يصدق الشهادة داخل الكويت، فإن القانون يجرمه، وهذا أمر غير صحيح». أبعاد المشكلة وانعكاساتها على واقعنا اليوم من المؤكد أنها خطوة إيجابية أن تُشرع الكويت قانونًا يقوض مساعي كل من تسول له نفسه الاستيلاء على المال العام من غير وجه حق، ويمنع مساواة المزور وترقيه علميًا وعمليًا مقارنة بمن اجتهد وثابر من أصحاب الشهادات الحقيقية خريجي الجامعات المعتمدة في دولة الكويت. السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيحد قانون حظر استخدام الشهادات غير المعادلة من قضايا تزوير الشهادات العلمية؟ وهل سينصف الجميع؟ لا شك أن قانون 2019/78 سيقنن تزوير معادلات الشهادات الجامعية، خاصة أن المعادلات تحدث تحت سقف وزارة التعليم العالي. ولأن الهدف يجب أن يكون القضاء على كل أشكال تزوير الشهادات الجامعية داخل وخارج الكويت، أصبح من الأولويات أن تتبنى وزارة التعليم العالي ممثلة في الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، كل ما من شأنه تطوير آليات اعتماد الشهادات الجامعية وفقًا لمعايير هيئات الاعتماد العالمية، بصفة مستمرة ومتجددة. علينا أن نعي جيدًا أن هناك مسببات لتزوير الشهادات الجامعية، وذلك ليس تبريرًا لعملية التزوير التي هي جريمة بحق الذات البشرية وأمام القانون، لكن محدودية التخصصات التي تعتمدها وزارة التعليم العالي قد تؤدي إلى التزوير. في هذا الصدد، ذكر مصدر خاص لـ«منشور» فضل عدم ذكر اسمه أن «تطوير آلية الاعتماد الأكاديمي تتطلب في المرحلة القادمة انفتاحًا فكريًا، لاعتماد مؤسسات أكاديمية خارج نطاق المألوف من حيث التخصصات العلمية. وهذا يتطلب رؤية واضحة ومنهجية ذات طابع إبداعي لدراسة سوق العمل في المستقبل. ففي الوقت الراهن، التخصصات المطلوبة محدودة وسوق العمل يعتبر صغيرًا نسبيًا مقارنة بوفرة وتعدد التخصصات العلمية المطروحة في الجامعات على المستوى العالمي. أمامنا مسؤولية كبيرة هي تأمين مستقبل أبنائنا وبناتنا الطلبة علميًا وعمليًا، من خلال مواكبة تطلعاتهم المستقبلية وتجديد الآليات المتبعة في التعليم العالي». من منطلق آخر، لا بد من التمييز والتفريق بين التزوير كجريمة ومعادلة الشهادة الجامعية. في هذا السياق، جاءت المادة 257 من قانون الجزاء الكويتي صريحة حول مفهوم التزوير: «يعد تزويرًا كل تغيير للحقيقة في محرَّر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة». أما معادلة الشهادة الجامعية (قبل إقرار قانون) فهي إجراء إداري يلزم طالب العلم المبتعث والموظف في القطاع العام المُجاز دراسيًا (من قبل ديوان الخدمة المدنية) لاعتماد الدرجة العلمية. من المرجح أن قانون 2019/78 وجد في إلزام الموظف العام لوجهة عمله بمعادلة المؤهل العلمي «مخرجًا» من قضية تزوير الشهادات الجامعية. مع العلم أن الشهادة غير المعادلة ليست مزورة، لكنها تثير الشكوك. ما الذي يمنع موظفًا حكوميًا من معادلة شهادته الجامعية وهي الجسر لترقيته إداريًا وماليًا، حتى لو كان المردود المالي محدودًا؟ علمًا بأن هناك نوعًا من المبالغة عندما يروج البعض لأن أسباب تزوير الشهادات العليا هي الحصول على منافع مالية كبيرة. لا ينطبق هذا على موظفي الدولة، إذ يتقاضى الموظف الحكومي مكافأة مؤهل علمي عن شهادة الماجستير بواقع 75 دينارًا، و150 دينارًا فقط لا غير عن شهادة الدكتوراه، ولا يعامل معاملة الأكاديمي حتى وإن كان باحثًا مخضرمًا في مجاله، بالإضافة إلى تجميده إداريًا بحجة أنه كان في إجازة دراسية. والسيناريو الآخر أن مؤهلاته أعلى مما هو مطلوب. يحدث عكس ذلك تمامًا في حالة التعيينات الباراشوتية، التي تحدث لإرضاءات سياسية. يرى المجتمع في الشهادة الجامعية صمام أمان لمستقبل اجتماعي ومهني ومادي أفضل بكثير ممن لم يحالفه الحظ في استكمال دراسته الجامعية. في مقابلات شخصية مع «منشور»، أجمعت مجموعة من الأكاديميين المبتعثين من جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وديوان الخدمة المدنية، على أن تزوير الشهادات العلمية أمر يستعصي على المبتعثين من قبل الدولة لعدة أسباب، أبرزها أن الدورة المستندية تتم من خلال جهة الابتعاث وديوان الخدمة المدنية ووزارة التعليم العالي من خلال مكاتب الكويت الثقافية بسفارات الكويت في 12 عاصمة عربية وأجنبية. إضافة إلى ذلك، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارًا في 2007 يلزم الطلبة المبتعثين بضرورة التصديق على قبول الجامعة قبل البدء في البرنامج الدراسي، كشرط مسبق لمعادلة الشهادة عند التخرج. عن تجربة شخصية، كانت معادلة شهادتي الماجستير والدكتوراه عبر القنوات الرسمية في الكويت جواز مرور، ليس فقط لإثبات أن مؤهلاتي العلمية غير مزورة، بل كانت إثباتًا لطموحي المهني والأكاديمي الذي اختار الدراسات العليا للتطوير الذاتي على كل الأصعدة. وبالتالي فإن معادلة الشهادات هي إشعار رسمي من بلدك والبلد الذي نلت منه الشهادة بأنها معتمدة محليًا ودوليًا، وأن مؤهلك الدراسي مطابق لمعايير هيئات الاعتماد العالمية. لا بد من التنويه بأن صدور القانون 2019/78 في شأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة لا يعني نهاية قضايا التزوير داخل وخارج الكويت، لكن تطبيق القانون والمواظبة على تحديثه هي الوسيلة الوحيدة للتضييق على المزورين والمتعاقدين معهم. فهل حدث تطبيق فعلي لمواد القانون؟ لعل أبرز الانتقادات التي طالت القانون هي عدم وضوح تاريخ نفاده ، الأمر الذي يقودنا إلى قرار مجلس الوزراء في يوليو 2018، والذي نجد فيه نوعًا من اللاواقعية عندما قرر فحص الشهادات الدراسية لجميع موظفي الدولة واتخاذ الإجراءات الحكومية بحق من يثبت تزويره لشهادته العلمية. حول هذا الموضوع، يقول محمد الوطيان لقناة «القبس» إن «أكثر من 50% لم يعادلوا شهاداتهم، سواء من المواطنين أو الوافدين في الكويت، وهو ما يشكل عقبة أمام تطبيقه». ماذا بعد صدور قانون 2019/78 بشأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة؟ في مايو 2021، أعلن محمد الفارس وزير التعليم العالي، عزم الوزارة تعديل القانون لتسهيل عملية تنفيذه. لكن رغم إيجابية التصريح، فإن الوزير أقر بصعوبة تطبيق القانون الحالي. الخطوة الأهم الآن هي اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى تدخل التعديلات حيز التنفيذ في أقرب فرصة ممكنة، مع ضرورة مراجعة القوانين والأطر التي تتم بها عملية معادلة الشهادات بصفة مستمرة. فاستمرار الوضع على ما هو عليه (عدم تفعيل القانون وتعديله) ينذرنا بغض البصر عن قضايا تزوير الشهادات العلمية بالرغم من وجود القانون والعقوبات. تسليط الضوء على واقع الشهادات المزورة في الكويت هو في جوهره أزمة أخلاقية نابعة من ثقافة مجتمعية تبجل الشهادات الجامعية، لأن الحكومة حصنت الشهادة الجامعية بامتيازات مادية ومهنية. من هذا المنطلق، يرى المجتمع في الشهادة الجامعية صمام أمان لمستقبل اجتماعي ومهني ومادي أفضل بكثير ممن لم يحالفه الحظ في استكمال دراسته الجامعية. لا عجب في ذلك، خاصة أن الدولة أهملت الاستثمار في ذوي الياقات الزرقاء في مختلف التخصصات الفنية والصناعية والحرف اليدوية، بالإضافة إلى نظرة المجتمع الدونية لهذه الطبقة. إن رشوة الأساتذة مقابل عدم الاستقرار في بلد الابتعاث، وعدم الحضور الفعلي خلال العام الدراسي، والاكتفاء بحضور الامتحانات دون الالتزام بالدوام الرسمي، ما هي إلا تجاوزات وأساليب بها من الخداع والمراوغة ما يكفي للحصول على الشهادة الجامعية دون تعب وكلل. فالموضوع لا يقف عند واقع الشهادات المزورة بين العقاب وغض البصر، بل يتعدى ذلك إلى تجاوزات قد لا تدخل في سياق التزوير، بل إنها في صلبها أزمة أخلاقية وأزمة مجتمع.
مشاركة :