تحفل الأدبيات النظرية بذكر الفروقات بين المسؤولية الاجتماعية والاستدامة، لكن المهم هو العمل على ضمان استدامة المسؤولية الاجتماعية؛ إذ إن الهدف الأساسي لمثل هذه الأنشطة الاجتماعية أن تكون دائمة؛ كيما يتمكن الجمهور المستهدف، ومن ورائه المجتمع ككل، من الاستفادة منها. إن البحث عن طرق استدامة المسؤولية الاجتماعية يعني، من بين ما يعنيه، أننا لسنا أمام فعل عابر أو مؤقت؛ فالمسؤولية الاجتماعية ليست نزوة عابرة ولا أنشطة موسمية، وإلا فإن الشركة التي تفعل ذلك لم تفهم بعد ماهية المسؤولية الاجتماعية. اقرأ أيضًا: الفوائد الخفية لتطبيق المسؤولية الاجتماعية للشركات البدء من النهاية لكن قبل أن نتجشم عناء إيضاح الطرق التي تسهم في استدامة المسؤولية الاجتماعية علينا في البدء أن نفهم الغاية من هذه المسؤولية الاجتماعية ذاتها؛ أي أننا مضطرون إلى البدء من النهاية. وأول ما ينبغي على المرء معرفته عن يقين أن هدف المسؤولية الاجتماعية الأساسي هو صنع عالم أفضل، واجتراح أفق بديل؛ إذ نتجت المسؤولية الاجتماعية _هذا إن غضضنا الطرف عن وجهة النظر التي ترى أن المسؤولية الاجتماعية ليست إلا إحدى أدوات النظام الرأسمالي_ عن وعي مفاده أن العالم في مأزق حقيقي؛ بفعل أزمات الإنتاج والاستهلاك على حد سواء، وبفعل الأزمات الكونية الكبرى، وأنه على الجميع، والقادرين وذوي المال والسلطة، أن يأخذوا خطوات جادة لإصلاح هذه الأعطاب، والعودة بالعالم إلى الوضع الآمن والسليم. وهذا يعني أن الطريق إلى الهدف الأساسي للمسؤولية الاجتماعية لن يكون إلا عبر استدامتها؛ أي استدامة المسؤولية الاجتماعية. هكذا ندرك أن فهم الغاية من المسؤولية الاجتماعية يؤكد أنه لا يمكن أن تكون مؤقتة أو فعلًا عابرًا، اللهم إلا إذا كانت الشركة تريد أن تحقق مكاسب آنية قصيرة المدى، أو، وهذا أسوأ، تحاول خداع جمهورها من أجل أهداف قد تكون مشروعة وقد لا تكون كذلك. اقرأ أيضًا: أهداف ريادة الأعمال الاجتماعية.. إصلاح أخطاء عولمية استدامة المسؤولية الاجتماعية مرّ معنا أن استدامة المسؤولية الاجتماعية لن تكون إلا عبر فقه معناها والهدف منها، لكن هذا، وإن كان مهمًا ولا غنى عنه، لن يكون وحده كافيًا؛ إذ هو فقط كالنظرية أو الإطار العام، وتبقى هناك عدة طرق وأدوات يمكن من خلالها تعزيز استدامة المسؤولية الاجتماعية. ويجب أن نشير إلى أن انخراط الأدبيات النظرية في بيان الفرق بين المسؤولية الاجتماعية للشركات والاستدامة صرفها عن بيان طرق استدامة المسؤولية الاجتماعية، وهو الأمر الذي يجعل مهمتنا هنا شاقة، لكننا سنحاول في « رواد الأعمال » ما وسعنا الجهد سد هذه الثغرة، وبيان الطرق التي يمكن من خلالها ضمان استدامة المسؤولية الاجتماعية، وذلك على النحو التالي.. الفكر الكوني المركب سبق لعالم الاجتماع والمفكر الفرنسي الشهير إدغار موران أن شدد في كتابه «الفكر والمستقبل.. مدخل إلى الفكر المركب» على أهمية التفكير المركب ذاك، وهو عبارة عن نمط من التفكير لا يقتصر على تخصص دون آخر، وإنما يحاول استكناه العالم وفهم أزماته عبر مدخل بيني متعدد الاختصاصات. والحق أن «إدغار موران» كان مدفوعًا، منذ كتابه «هل نسير إلى الهاوية؟» على الأقل وإلى الآن، بالتفكير في الأزمات _التي أبرزها أزمة الاحتباس الحراري والفقر المائي وثقب الأوزون وشُح الموارد بشكل عام_ التي يرزح العالم تحت نيرها. لكن تُرى ما هو دخل ذلك كله باستدامة المسؤولية الاجتماعية؟ لكن ألا ترى أن هذه الأزمات تدفع باتجاه جعل المسؤولية فعلًا مستدامًا؟! فإذا كانت الأزمات كما ترى متفاقمة فإن فعلًا أو نشاطًا مؤقتًا لن يكون مجديًا أو ذا نفع، ومن هنا فإن تفاقم الأزمات يدفع باتجاه استدامة المسؤولية الاجتماعية. اقرأ أيضًا: الأنشطة البيئية في الشركات والوعي الإداري الأهداف الكبرى لكن هب أن شركة ما تريد أن تصلح مجتمعها المحلي _وحق لها ذلك_ هل ستراها تداوم عى العمل الاجتماعي؟ المنطق يقول لا؛ إذ من شأن هذه المشكلات أن تُحل يومًا ما ومن ثم لن يعود للمسؤولية الاجتماعية وجود. لكن ما الضير في هذا طالما أن المسؤولية الاجتماعية موجودة لجلب نفع أو درء ضر وقد تحقق النفع أو زال الضرر فلماذا تبقى؟ وهذا ومن أسف فهم قاصر، صحيح أن المسؤولية الاجتماعية موجودة من أجل تحقيق منافع ودرء مفاسد لكن بالنسبة للعالم ككل وليس لمجتمع محلي صغير ومحدد. ما ينبغي فهمه _وهو درس آخر يعلمنا إياه «إدغار موران»_ أن نفكر في الأرض على أنها بيتنا المشترك؛ أي أنها بيت لنا جميعًا؛ ومن ثم علينا رعايتها والاهتمام بشتى سكان الكوكب وليس شريحة محدودة منهم، بهذا الفهم يمكننا بالفعل تعزيز بل ضمان استدامة المسؤولية الاجتماعية. اقرأ أيضًا: الأنظمة البيئية في الشركات.. التكامل والمنافسة مؤشرات الأداء البيئي.. جولة جديدة من نجاحات المملكة المسؤولية الاجتماعية.. بناء علاقة شفافة مع الموردين
مشاركة :